عند صدور المرسوم العسكري الخاص بقانون مباشرة الحقوق السياسية، وأيضا قانون انتخابات مجلسي الشعب والشوري، تكون العملية السياسية قد بدأت أولي خطواتها التنفيذية، نحو استكمال بناء مؤسسات الوطن الغالي علي أساس ديمقراطي حر، وهي بداية مهمة حتي يشعر المواطنون بالاستقرار والأمان، وأننا بعون الله سبحانه قادرون علي تجاوز هذه الفترة الانتقالية، وصولا إلي جني مكتسبات "ثورة التحرير" العظيمة، التي عشنا نحلم بها وكافحنا من أجلها طويلا. وأهم مكتسبات هذه الثورة التاريخية، أن يكون لدينا مجلس شعب حقيقي، منتخب بشكل ديمقراطي حر، بعيدا عن الفساد والتزوير والبلطجة والإرهاب الأمني.. برلمان وطني نزيه، يعبر عن وجه مصر الحقيقي، أيا كانت ملامح وقسمات هذا الوجه، ثم أن يكون لدينا دستور تعلو فيه قيمة "الإنسان" المصري، وتصان فيه حريته وكرامته، ويحفظ حقوقه في الأمن والعمل والسكن والحركة والمشاركة السياسية، ثم أن يكون لنا رئيس دولة يحترم هذا الشعب ويخدمه بأمانة ومسئولية. ولا شك في أن هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها مصر، تحتاج إلي توافق وطني بين جميع التيارات والأحزاب السياسية، علي إطار سياسي وتنافسي واضح، حتي ننجح في تجاوز الصعوبات والمتاعب المتوقعة، مع قرب إجراء الانتخابات البرلمانية ثم الرئاسية، هذا التوافق يقوم في اعتقادي علي أساس الاحترام المتبادل، والقبول المبدئي باختيار الشعب، وعدم اللجوء إلي ما يعكر صفو النسيج الوطني، الذي ظهر في أروع صوره أثناء الثورة، وأن يرتفع الجميع إلي المصلحة العليا. وفي هذا السياق أثمن الإطار الذي توافق عليه مؤخرا أكثر من عشرين حزبا سياسيا بقيادة حزبي الوفد والحرية والعدالة، فيما يتعلق بالاتفاق فيما بينها علي أهم القضايا السياسية المطلوبة في المرحلة القادمة، وأدعوها إلي البدء فورا في إعداد آليات محددة، لتنفيذ هذا الإطار من الناحية العملية، وسرعة الوصول به إلي كوادر وقواعد هذه الأحزاب السياسية، وأيضا لجانها الانتخابية والدعائية، حتي يمر موسم الانتخابات بشكل جيد، ونقدم صورة حضارية للتنافس في خدمة الوطن. لقد أثبت الشعب المصري الحر دائما أنه أذكي من أن يؤثر فيه أحد بإغداق المال الوفير، أو بالدعاية الكاذبة الصاخبة، أو بالخداع والتزوير والغش، وعندما تتاح له الفرصة في الانتخابات المقبلة كي يعبر عن إرادته بحرية ودون إقصاء أو عنف أو تزوير، سوف يكتشف الجميع حقيقة الوعي السياسي العميق لهذا الشعب، وسوف يدرك كثير من السياسيين أن الطريق الوحيد لكسب ثقة المصريين، هو العمل الجاد والمخلص من أجل المصلحة العامة، والتفاني في خدمة هذا الوطن الغالي. إن مصر الحرة التي خرجت من رحم "ثورة التحرير" أكثر إشراقا وبهاءً وجمالا وأملا، تستعد في الأيام المقبلة لإقامة عرس ديمقراطي كبير، كانت تتمناه وتنتظره منذ زمن طويل، يشارك فيه جميع أبنائها الأوفياء البررة، ويسعد به كل محبيها وأصدقائها، ويغتاظ منه كل خصومها وأعدائها، هذا العرس الديمقراطي الوطني الجميل، الذي يؤسس للمستقبل المشرق بإذن الله، يحتاج من جميع الشرفاء إلي تحمل المسئولية في إنجاحه، وأن يكون علي مستوي هذا الحدث التاريخي الرائع. إنني علي يقين لا يخالطه شك من أن هذا الشعب الحر الكريم، وهذا الوطن الغالي، وهذا الشباب الطاهر الثائر، سوف يجني الثمار الإيجابية لهذه الثورة المباركة، خلال السنوات القليلة المقبلة، وسوف ينعم الجميع بالحرية والديمقراطية والنزاهة علي المستوي السياسي، ويسعد بالتقدم والازدهار والرخاء علي المستوي الاقتصادي، ويهنأ بالوحدة والتماسك والتلاحم علي المستوي الاجتماعي، ويرقي بالنهضة والبناء والإبداع علي المستوي الحضاري.