تعد الحضارة الغربية انتشارا بالمعني الموضوعي والتقتي يوما بعد يوم عبر انماط الحياة ونواحيها المختلفة بالإنتاج العلمي والمعرفي، وإنه بقدر ما تفرض هذه الحضارة معارفها كحضارة عالمية في الوقت ذاته تتوج منظوماتها العلمية قائدا لعملية التحديث والتجديد في شتي المفاهيم الفكرية والمفهوماتية، وتعيد في الوقت ذاته تشكيل الواقع الاجتماعي والفكري انطلاقا من مفاهيم علومها التي تحاول فرضها علي جميع الشعوب الاخري وذلك من خلال رؤيتها للتغير والتحول في مجري العلوم والفكر، وفي هذا الحال تدفع الثقافات القومية إلي التراجع والانكماش والتلاشي امامها مما يرغم تلك الثقافات علي الاكتئاب والتقهقر إلي قطيعة نهائية مما يؤدي إلي عزلها من الواقع الحالي حيث ان الواقع الجديد بات يتطور من خارج قيم الثقافة المحلية ليس من واقع الحال فحسب بل علي ضوء ما يطرأ من تغيرات في المفاهيم العالمية في شتي مجري العلوم والفكر، وفي هذه الحالة من الطبع لايمكن للثقافة القومية ان يكون لها دور في هذا الصدد لانها خارج بوتقة التحول والتجديد وبالتالي تفقد القدرة علي العطاء وبلورة مفاهيمها عبر منظومة المستجدات والتحديث التي تزداد انتشارا وقبولا يوما بعد يوم بالتوافق مع ما يستجد من منظومات فرضت افرازاتها في اطار التحول والتغيير والمغايرة لاستقبال كل ماهو آت من فكر وعلوم تتمحور نحو احتياجات العصر الحالي القابل للتحول والانتقال بين آونة واخري، ولاريب انها في هذه الحالة تفقد تلك الثقافات القومية مكانتها تدريجيا وتصاب بالاكتئاب في المجتمع وتظهر أزمة عجزها عن تلبية حاجات المجتمع وذلك بسبب افتقادها صفة التكامل امام التحول الذي يحدث علي الساحة العالمية، وعندئد تدخل الثقافة العالمية لسد الفراغ والفجوة من اجل الخلاص منها للحلول في معناها لتحقيق الوظائف التي باتت المجتمعات بحاجة إليها بصورة مختلفة عما مضي لأن عالم اليوم لم يعد يتمسك بالثقافة التراثية كما كان بالامس، بل اصبح عالما متحولا في المفاهيم والعلوم التي شكلت منظومة راجحة لما يتوافق مع المستجدات والتحديث بصورها المختلفة ولاشك ان فقدان هذه الشعوب لثقافتها القومية يؤدي إلي فقدان الهوية والقدرة الذاتية وبالتالي تضطر إلي الاستسلام لفكرة القبول بحتمية التخلف التاريخي امام الزحف القادم من الثقافات الاخري الصاعدة يوما عن يوم، وبهذا لابد لها ان تفصل بين ثقافة التراث الذي نعتز به والثقافة المتغيرة المصدرة للعلوم والفكر حتي لاتصاب ثقافتنا بعجز عن مسايرة العلوم المعاصرة والافكار المستجدة مما يفقدها او يفقد قدرتها علي الوصل والتواصل والاتصال بسبب فقر هذه الثقافات للتقنية والعلوم وفقا لمجريات التحديث والتغيير، وبهذا لانستطيع معاصرة الزمن للقبول والتلاقي مع كل ما يحدث علي الساحة الفكرية التي لاتلبث علي ماهي عليه بل دائما تفرز وتبرز شيئا جديدا في شتي مجري المفاهيم والمعارف، وواقع الحال عند فقدان الثقة بالثقافة القومية أو الثقافة القومية تصبح غير قادرة علي المواجهة يؤدي ذلك إلي ابتعاد الناس عنها واستسلامهم إلي الثقافات السائدة في طلب العلوم والمعرفة من اجل مواكبة العصر وإفرازاته المتتالية عبر القنوات العلوماتية والمعلوماتية مما جعل الاكتئاب والتقهقر يحدث في ثقافتنا القومية إلي جانب الانقراض والتلاشي إلي الانزلاق تدريجيا امام هيمنة الغلبة من الثقافات العالمية التي تمتد وتفرش مفاهيمها افقيا علي الكرة الارضية قاطبة مما ادي ذلك إلي سعة انتشار هذه الظاهرة علي اجتماع العالم بشمله جميع الثقافات العالمية مما يدل علي ان وراء تلك الغلبة تفوقا تكنولوجيا وتقنيا ملحوظ مما جعل الثقافات القومية في عجز تام غير قادر علي المثول أو العطاء تجاه الثقافات الاخري التي ارتدت ثوب العولمة والكوكبة وخرجت عن قوميتها وتحولت إلي ثقافة عالمية ينتفع منها جميع الامم باختلاف اتجاهاتها واعراقها وأغراضها، وقد انعكس ذلك علي الثقافة القومية التي تتراجع عن جوهرها لأن المجتمعات التي كانت تستلهمها قد فقدت مكانتها العالمية وتأثيرها في تقرير المصير. كاتب المقال: عضو اتحاد كتاب العرب