تتضمن وثيقة الأزهر لمستقبل مصر التي أعلنها الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب أول أمس رؤية شاملة في أمور وقضايا طال الخلاف فيها واستغرقته التفاصيل، وتركز علي المستقبل، جوهر الوثيقة ايجاد وتمهيد الطريق الذي يستوعب التراث الطويل للأمة والامتداد في العصور القادمة في اطار استراتيجية توافقية، ترسم شكل الدولة العصرية المنشودة ونظام الحكم فيها. وتدفع بالأمة في طريق الانطلاق نحو التقدم الحضاري بما يحقق عملية التحول الديموقراطي ويضمن العدالة الاجتماعية هذا ما جاء بالنص مع الحفاظ علي القيم الروحية والإنسانية وذلك حماية للمبادئ الإسلامية التي استقرت في وعي الأمة وضمير العلماء والمفكرين من التعرض للاغفال والتشويه وصونا لها من استغلال التيارات المنحرفة التي ترفع شعارات دينية طائفية أو ايديولوجية، مائلة عن ثوابت الأمة. ترفض الوثيقة بوضوح ما يعرف بالدولة الدينية مستندة إلي المبدأ المستقر »لا كهنوت في الإسلام« وتنحاز إلي الدولة الوطنية الدستورية الديموقراطية الحديثة، تعتمد الوثيقة النظام الديموقراطي نموذجا. وتلتزم بمنظومة الحرية الأساسية في الفكر والرأي، مع الاحترام الكامل لحقوق الإنسان، وقيمة المواطنة، وعدم التمييز علي أساس الدين أو النوع أو الجنس، مع احترام الحوار وتأثيم استغلال الدين لبث الفرقة والعداء بين المواطنين واعتبار الحث علي التمييز الديني والصراعات الطائفية جريمة في حق الوطن، وتؤكد الوثيقة علي الالتزام بالمواثيق والقرارات الدولية المتوافقة مع التقاليد السمحة للثقافة الإسلامية والعربية والمتسقة مع الخبرة الحضارية الطويلة للشعب المصري في عصوره المختلفة، وتأكيد الوثيقة علي المضمون الحضاري المتصل للشعب المصري مع تنوعه أساسا ثقافيا مهما لا يلغي مرحلة ولا يعتم علي حقبة لصالح أخري، وهذا مبدأ مهم سأتوقف أمامه طويلا فيما بعد، أما موقف الوثيقة من قضية الحريات فهو غير مسبوق ولم يظهر من قبل بهذا الوضوح، بحيث يمكن القول إنها في مجملها تؤسس لرؤية مستقبلية عصرية تخدم الأمة وتخاطب الأمة من منطق الإسلام المعتدل الكوني السمح الذي يمثله الأزهر.