ما الذي يحدث في ألمانيا ؟ وإلي اين تتجه البلاد خلال الأسابيع القليلة القادمة؟ اسئلة ملحة ليست فقط لدي السياسيين والشعب الألماني ولكن عند اوروبا بأكملها. فألمانيا تعيش حالة غير مسبوقة من التخبط السياسي والضبابية الشديدة منذ فشل مفاوضات تشكيل حكومة بين التحالف المسيحي الديمقراطي والحزب الليبرالي الحر وحزب الخضر، فما عرف بائتلاف جامايكا. وبينما تستعد ألمانيا لاعياد الكريسماس ورأس السنة، الا ان مصير قيادة البلاد في السنوات الاربع المقبلة اصبح مجهولا،وهو الامر الذي لم يعتد عليه الألمان. فهذه الحالة من التخبط وصلت ذروتها الاسبوع الماضي بعد اجتماع الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير يوم الخميس في قصر بيلفيو في برلين مع التحالف المسيحي بجناحيه تحت قيادة المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، والحزب الاشتراكي الديمقراطي برئاسة مارتين شولتس في جهود وساطة لتشكيل حكومة اغلبية موسعة. فقد ساد الصمت بعد الاجتماع ولم يصرح اي من الاطراف، ليبدأ اليوم الجديد بخبر نقلته صحيفة بيلد الألمانية عن موافقة الحزب الاشتراكي مع ميركل علي بدء تشكيل حكومة اغلبية، ولكن لم يلبث الخبر الا دقائق معدودة حتي نفاه شولتس. وأدلي شولتس بتصريحات بها الكثير من الغضب حول انتشار هذه التسريبات المغلوطة، وأكد انه تحدث مع ميركل هاتفيا وقال لها إن هذا الامر غير مقبول وانه يشعر بالمرارة. واشار إلي ان هذه الاخبار تدمر الثقة بين الطرفين، وانه لا يوجد ضوء اخضر حتي الان من الحزب ليبدأ مشاورات نهائية لتشكيل حكومة موسعة ذات اغلبية كما اشاعت وسائل الاعلام، وقال: »لدينا خيارات كثيرة، وعلينا ألا نتسرع، فلا يوجد ضغط وقت علينا، وان محاولة الدفع بالحزب عبر هذه التسريبات الخاطئة إلي الاتجاه الذي يريده البعض أمرلا نقبله ويزيد الامور تعقيدا، فنحن نقرر بأنفسنا ما نريد ان نفعله». واعلن انه لابد من دراسة كل خيار بالتفصيل مع اعضاء الحزب بدءا من غد الاثنين وحتي مؤتمر شباب الحزب يوم الخميس، مؤكدا ان الايام القادمة ستوضح الامور وتضع كل شيء في نصابه الصحيح. وهناك خلافات كبيرة بين اعضاء الحزب الديمقراطي الاشتراكي الذي وجد نفسه في حالة ضغط من الرئيس الألماني للدخول في ائتلاف مع ميركل بعد ان خسر خسارة كبيرة بالانتخابات الماضية، فداخل الحزب من يري اهمية تشكيل الحكومة الموسعة، وهناك من يرفض ذلك وخاصة شباب الحزب الذين قاموا بعمل عريضة علي الانترنت للتوقيع عليها لرفض الائتلاف الحكومي مع ميركل مرة اخري. كما ان هناك نقاط اختلاف بين حزب ميركل والحزب الاشتراكي في التعامل مع عدة قضايا خاصة القضايا الداخلية، منها المعاشات لان حزب شولتس لا يريد المزيد من التخفيض في المعاشات، وهناك قضايا خلافية أخري حول الضرائب والمساواة في الاجور بين الرجل والمرأة والتأمين الصحي، الا انهم يتفقون في نقاط كبيرة خاصة بالسياسة الخارجية لألمانيا وحول الاتحاد الاوروبي. ويري شتيفان فايل رئيس وزراء ولاية سكسونيا السفلي ان عدم الاستقرار في البلاد يعد امرا خطيرا في بلد لم يعرف طيلة العقود الماضية الا الاستقرار، وقال لجريدة »سوددويتشه تسايتونج» »اشعر بالفزع الشديد عندما افكر كيف تحولنا في الاسابيع القليلة الماضية من قمة الاستقرار إلي انعدام الوضوح الكامل». واشار إلي ان اوروبا كلها تراقب وتتحدث عن ألمانيا الآن وإلي إين ستسير الامور فيها، معبرا عن اعتقاده بان الامور ستسغرق وقتا حتي فبراير القادم لتتضح اكثر فأكثر. ويشاركه الرأي ميشيل جروس برومر زعيم الكتلة البرلمانية للحزب المسيحي الديمقراطي الذي ترأسه ميركل بأن البلاد تحتاج لحل بأسرع ما يمكن، مؤكدا ان الألمان يشعرون بقلق كبير ويترقبون بآمال كبيرة ان يتم تشكيل حكومة اغلبية، مشيرا في هذا الصدد إلي استطلاع رأي بوسائل الاعلام الألمانية أظهر أن 48 في المائة من الألمان يرغبوا في هذا الخيار، بينما ثلث الألمان يرغبون في تشكيل حكومة اقلية و10 في المائة فقط يريدون الذهاب من جديد إلي الانتخابات. ولكن علي عكس النغمة السائدة يري كريستيان ليندنر رئيس الحزب الليبرالي ان حكومة اقلية يعتبر خيارا جيدا لألمانيا ويراها تطورا ايجابيا للديمقراطية في البلاد وقال انه عند تشكيل حكومة اقلية ستتيح المجال لقرارات اكثر ليس فقط من الحكومة ولكن من الآخرين،. وكان الرئيس الألماني يجري وساطات مكثفة الاسبوع الماضي باتجاه حكومة أغلبية لأنه لا يرغب في اجراء انتخابات جديدة حيث طالب الاحزاب بالتحلي بالمسؤلية وعدم رمي الكرة مرة أخري في ملعب الناخبين والناخبات. كذلك ميركل فهي لا تريد اجراء انتخابات مبكرة او تشكيل حكومة أقلية.