قلبي وجعني من رسالة الكبير »لويس جريس» الإلكترونية التي كتبها حزيناً، وتتضمن إهانة بالغة لجدنا الوديع »وديع فلسطين» في مكتب بريد عين شمس، وكان ذهب لتحصيل معاشه، الجد من مواليد 1923، يكمل المائة من عمره المديد بعد ست سنوات، أطال الله في عمره، ذاكرة حية تسير الهوينا علي رصيف الحياة. وبلسمت قلبي ذات الإحساس الرقيق وزيرة التضامن الدكتورة غادة والي التي أرسلت ورداً يانعاً في اعتذار رقيق من (ابنة ) قبل أن تكون وزيرة، إلي جدها الوديع، وحمل الورد من حمل ملف الأستاذ »وديع» ليوقع في بيته علي معاشه القليل، أكرمك الله كما أكرمت شيخنا الجليل. الغلظة التي تعاملت بها موظفة جهول من عمر أحفاد الأستاذ الوديع، وطلبها من مديرة منزله السيدة »وردة» أن يصعد الشيخ الطاعن في السن السلم طابقين ليوقع أمامها بدلاً من أن تنزل تحت قدميه، إكراماً للسن وللقيمة والقامة، وعندما أخبرتها» وردة » أن الأستاذ صحفي كبير المقام، تعالت وتساخفت وتطاولت بجهل عقور، ويعني إيه صحفي؟.. الجاهلة لا تعرف يعني إيه صحفي، فلا تتوقع أن تعرف الأستاذ وديع، نحن قوم ضاعت القيمة بيننا. ولمن يجهل قيمة الأستاذ الكبير، هو من هو ضمير وطني يعيش بيننا دون صخب أو ضجة، حتي لا يحمل محمولاً، ويعيش أيامه في شقته البسيطة بمصر الجديدة، لم يغير شيئاً فيها حتي لون الحيطان، الأستاذ الكبير قامة وقيمة، يحمل درجة بكالوريوس من قسم الصحافة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، حيث تخرج عام 1942. ومارس الصحافة السياسية والاقتصادية والأدبية منذ ذلك التاريخ أي علي مدي 75 عاماً. وتألق نجمه في صحيفتي »المقتطف» و»المقطم» بين عامي 1945 و1952 حيث رأس القسم الخارجي وعمل في جميع الأقسام الأخري، وأسند إليه كتابة المقالات الافتتاحية اليومية التي كانت تنقلها الصحف الأجنبية والعربية، كما اختير عضواً في مجلس إدارة وتحرير هذه الدار إلي أن أغلقت كما أغلقت الكثير من الصحف في مصر في تلك الفترة. ألف الأستاذ وديع فلسطين وترجم ما قد يجاوز عدده أربعين كتاباً في الأدب والاقتصاد والسياسة وعلوم الصحافة التي قام بتدريسها في الجامعة الأمريكية بالقاهرة علي مدي عشر سنوات بين عامي 1948 و1957. ولعل أهم كتبه الأدبية الكتاب الصادر عام 2003 والمعنون »وديع فلسطين يتحدث عن أعلام عصره»، وهو في جزءين، يسجل فيهما علاقاته بنحو مئة من الأعلام في مصر والبلاد العربية والمهاجر وديارات المستشرقين. وقد ذُكر بأنه أول من تنبأ بأن نجيب محفوظ سوف يصبح ذا شهرة عالمية، وبالفعل فقد حاز علي جائزة نوبل للأدب عام 1988. شارك في إخراج عدد من الموسوعات منها الموسوعة العربية الميسرة، و»موسوعة الأقباط» باللغة الإنجليزية الصادرة في ثمانية أجزاء عن جامعة » يوتاه » في الولاياتالمتحدةالأمريكية، و»موسوعة أعلام مصر والعالم»، و»موسوعة من تراث القبط». لانطلب منكم جزاء ولا شكورا للأستاذ، فقط بعض من الاحترام، يا أيها الأحفاد احترموا الأجداد، الأستاذ وديع كان محظوظاً بعطفة الكبير لويس جريس، ولفتة الراقية غادة والي، ولكن نظرة ياحكومة إلي كبار السن، الأجداد معذبون في الأرض، نحن قوم لا نحسن معاملة الكبار، وفي طابور المعاشات أمام مكاتب البريد قصص مأساوية وحالات تصعب علي الكافر، لكنها لا تصعب أبداً علي موظفي التأمينات.