ربما ينظر شباب هذا الجيل إلي وقائع تحرير سيناء علي انها حوادث عابرة، إذ انها سنوات معدودات بين احتلال سيناء وبين استعادتها، ولكن من عاصر تلك الأيام يعرف حجم المرارة وشجاعة التضحية وروح الرجولة التي تفجرت في اعطاف الوطن. كانت حرب أكتوبر قد اعادت ثقة ضاعت منا، واعادت للعدو واقعية تاهت منه، ومع يقظة السلام ومروءة الرجال كان التفاوض من موقع القدرة علي الفعل، وحاولت العقلية الإسرائيلية ان تراوغ في استيعاب حقائق الواقع فرفعت الليكود المتشدد وزعيمه المتصلب مناحم بيجن إلي رأس الحكومة الاسرائيلية وأعلن بيجن انه يفضل ان تقطع يده ولا يوقع علي اخلاء مستوطنة يهودية من تلك التي اقامتها إسرائيل في سيناء. وأعلنت مصر ان سيادتها علي اراضيها ليست موضع تفاوض أو مساومة، ولم يكن ذلك مجرد تصلب قيادة أو براعة مفاوضين، وإنما كان حقائق واقع وثوابت وطن. كانت المسافة من هزيمة يونيو إلي نصر اكتوبر قد قلبت الآية فأصبح الخطاب المصري شديد الواقعية، يرص الصف ويعمر السلاح قبل ان يقول الرأي، وكان الخطاب الإسرائيلي قد جنح بعيدا عن الواقع واسكرته أوهام القوة، وكانت المفاوضات دروسا لساسة إسرائيل أعادت تأهيلهم كي يتوافقوا مع حقائق الحياة، أبرز هذه الحقائق ان مصر عزيزة ابدا وأن أمنها القومي يلتف حوله كل المصريين رجالا ونساء، شيوخا وشبانا وولدانا مسلمين ومسيحيين، يميناً ويساراً لتكسبهم الوطنية المصرية فإذا هم علي قلب رجل واحد. لذلك فان عيد تحرير سيناء يتجاوز الحدث والمناسبة ليصبح علامة تحول كيفي في السياسة المصرية، في إطار هذا الاحساس تحتفل مصر بعيد تحرير سيناء وهي المناسبة العزيزة علي قلب كل مصري عندما رفع الرئيس مبارك علم مصر علي آخر نقطة مصرية من أرض سيناء التي تحررت بدماء شهدائنا واكتمل تحريرها باستخلاص نقطة طابا من أيدي الإسرائيليين في معركة دبلوماسية لم تقل روعتها عن الحرب العسكرية في أكتوبر 3791. في 52 ابريل عام 2891 أصبحت كل سيناء في حضن الوطن الأم لقد صمم الرئيس مبارك علي تلافي الاخطاء السابقة التي تركت سيناء خالية وشبه مهجورة.. وعبر سنوات العمل المنظم وتشجيع القطاع الخاص أصبحت سيناء من أكثر المناطق حيوية من خلال مشروعات التعدين والزراعة والسياحة التي جعلت منتجعاتها السياحية علي كل لسان في العالم وأصبحت منطقة جذب للسياحة الأوروبية تنافس المنتجعات التقليدية لهذه السياحة الاوروبية في أسبانيا وأمريكا اللاتينية. ولم يكن تحقيق ذلك ممكنا إلا بعد انفاق عشرات المليارات من الدولارات علي البنية الاساسية والخدمات، فهناك الآن آلاف الكيلومترات من الطرق الحديثة تمثل شبكة متكاملة تربط سيناء ببعضها البعض والمدن المصرية الاخري، بالاضافة إلي ربطها بشبكات الطرق بالدول العربية الشقيقة في الشرق ثم كان المشروع العملاق الذي استهدف تذويب المانع المائي المتمثل في قناة السويس بكوبري السلام العملاق الذي يربط سيناءبالوادي. هناك أيضا المطارات الحديثة وشبكة كهرباء عملاقة تغطي كل سيناء وتجعل منها معبرا لربط شبكات كهرباء الدول العربية في المغرب والمشرق العربي وتمثل هذه الشبكة قاعدة وعبورا جديدا لارساء السوق العربية المشتركة التي نحلم بتحقيقها بخطوات أسرع وأكثر تفعيلا، كما تم توصيل مياه النيل لأول مرة في تاريخ سيناء وشق ترعة السلام التي تنقل مياه النيل لجميع الاستخدامات والزراعة وهي أهم اضافة بشبكة الري المصرية خلال سنوات طويلة. وإذا كان كل هذا قد تحقق علي أرض سيناء.. وإذا كان الاقبال السياحي علي منتجعاتها يسعدنا جميعا فلابد ان نتساءل أيضا في عيد سيناء. هل وصلنا بمعدل الكثافة السكانية في سيناء إلي الحد الذي كنا نأمله، أم لا تزال أمامنا خطوات يجب ان نقطعها وعقبات يجب ان نذللها لكي تتنوع انشطة سيناء إلي جانب السياحة ولكي تستقر بها العمالة المصرية حتي تحقق دورها المطلوب في الاقتصاد الوطني وحتي يتحقق لها الامان الاستراتيجي بالكثافة السكانية الكبيرة والمساهمة في تخفيف الكثافة السكانية في الوادي المختنق؟ أتمني ونحن نحتفل بعيد تحرير سيناء ان يتذكر من يتناسون ان وحدتنا الوطنية ليست شعارا نرفعه ولكنها حقيقة تعرفها رمال سيناء التي اختلطت عليها دماء المصريين مسلمين واقباطا كان ولاؤهم دائما لهذه الأرض بصرف النظر عن الدين أو الملة، ولم يكن تلاحم أبناء مصر وليد العصر الحديث فقط في الحروب مع إسرائيل أو حتي مع ثورة 9191 التي يحلو لنا العودة إليها دائما، وإنما كان التلاحم علي مر التاريخ حيث قاوم ابناء مصر الغزاة الأوروبيين المتخفين تحت الصليب في العصور الوسطي. اننا نخطيء كثيرا في حق أيامنا الوطنية حينما نختزلها في مناسبات احتفالية نكرر فيها ما اعتدناه من طقوس. ذلك ان ايامنا الوطنية هي محطات فارقة في مسيرة شعبنا.. سبقتها سنوات من ترتيب الخيارات وتحديد الأولويات قبل ان ينفخ الشعب من روحه في طليعة الأبطال الذين قاتلوا حينما كان القتال ضرورة، وفاوضوا حينما أصبح التفاوض من موقع القوة، وفي الحالتين كان العقل يقظا وكان السلاح صاحيا. في عيد تحرير سيناء نهنيء كل المصريين الذين روت دماؤهم هذه الأرض ولا يدينون بالولاء إلا لها. برقيات إلي: الصغار: مصر التي تبني لا تلتفت اليكم. المشاهد: الحياة في التليفزيون لم يعد لونها بمبي! الفصائل الفلسطينية: متي يتعاطف الفلسطينيون مع أنفسهم؟ المجتمع الدولي: جرائم إسرائيل لا تحتاج إلي تحقيق!