لم يكن حضوره طاغيا يتبدي كطيف يومض في أفق أمسيته ببيت السناري بسبب مقتنياته التي ضمها متحف مؤقت مثل الجوائز التي حصل عليها علي مدي رحلته الخصبة، ولكن جمهوره وعشاقه شعروا بقوة أن روحه تعانق المكان التاريخي الذي شهد دخول مصر عصر الطباعة، حيث ضم ذلك البيت الأثري أول مطبعة جاءت بصحبة الحملة الفرنسية علي بلادنا، عبر قصائده التي أثرت في وجدان الأجيال، وقد دوي صوته في جنبات المكان وهو ينشد شعره، ومن رائحته جاءت أرملته الإعلامية الكبيرة نهال كمال، وابنته آية التي تبدو كقطعة منه وقد أنشدت كأن روح الخال سكنت لسانها أثناء إلقاء مقاطع من »وجوه علي الشط» ومقطع من قصيدة »موت علي الأسفلت»، فضلا عن الدمية التي حملت ملامح وجهه وحكت أجزاء من السيرة الهلالية، كل هذا جعل شاعرنا الفذ الراحل عبد الرحمن الأبنودي حاضرا في أمسيته التي أقامتها مؤخرا مكتبة الإسكندرية ببيت السناري، وقد تحدث مديرها المفكر الكبير د.مصطفي الفقي قائلا: الأبنودي مبدع وطني من الطراز الأول ومثقف كبير وما كتبه في جوابات حراجي القط يؤكد علي هويته الوطنية، ومكتبة الإسكندرية قررت أن تحتفظ بتوثيق إبداع الأبنودي، ونحن ندرس فكرة رصد جائزة سنوية باسمه للشباب في شعر العامية. وأضاف الفقي: حين افتتاح مشروع توشكي في فترة الرئيس الأسبق حسني مبارك، سألت الأبنودي لماذا لم تبتكر شخصية تحكي عن تلك التجربة مثلما فعل مع تجربة السد العالي عندما كتب ديوان »حراجي القط»، فأوضح ببساطة أنه يرفض فكرة هذا المشروع، وهذا الموقف يعبر عن صدق شعر هذا الرجل وأبدت الإعلامية نهال كمال، أرملة الخال سعادتها بهذه الاحتفالية البعيدة عن ذكري ميلاده ورحيله، حيث نحتفل بالشاعر الفذ في ذكري حرب أكتوبر، وأضافت نهال أن الأبنودي كان مخلصا للشعر ومدرسته الأولي هي أمه فاطمة قنديل، ومدرسته الثانية هي قريته أبنود، كما أثرت فيه السيرة الهلالية، وكان شاعر الربابة هو النموذج الذي يحبه، وكان يتنفس الشعر وحب الناس، وقد غير شكل الأغنية وكلماتها، وكان يقول دائما »اللي بني مصر كان في الأصل صعيديا».. واندهش الكاتب الصحفي محمد توفيق الذي وثق سيرة الأبنودي خلال كتاب عنوانه »الخال» بأن شعر الأبنودي يدرس في إسبانيا، ولا يدرس في الجامعات المصرية، ورأي أن الثقافة هي الحل للقضاء علي الإرهاب، والأهم أن تكون بمعرفة المبدعين الذين أثروا في تاريخ الإبداع المصري. • محمد سرساوي