تعلو هذه الايام أصوات تخرج من بعض أعضاء النخبة السياسية تطالب بتأجيل الانتخابات البرلمانية والشروع في تأسيس دستور جديد للبلاد.. وهو أمر غريب أن يصدر من هذه النخبة والتي تسعي بهذا المطلب لوأد استفتاء 91 مارس الماضي. فهذا الاستفتاء الذي خرج فيه الشعب وقال كلمته بنسبة 77٪ حدد معالم خارطة الطريق السياسية لمصر في الفترة المقبلة.. والتي تمثلت في اجراء انتخابات برلمانية ثم تشكيل لجنة تأسيسية لوضع دستور جديد ثم انتخابات رئاسية بعد ذلك. وقتها وقبل اجراء الاستفتاء ظهرت اصوات كثيرة تدعو إلي الاستفتاء »بلا« للتعديلات.. وتطالب بتأسيس الدستور اولا ثم بعد ذلك تجري الانتخابات البرلمانية ومن بعدها الانتخابات الرئاسية.. إلا ان نتيحة الاستفتاء التي شارك فيه الشعب بحرية تامة جاءت عكس ما كانوا يطالبون به.. وقالت الاغلبية كلمتها.. وتحولت هذه الكلمة إلي ما يمكن ان نطلق عليها شرعية ملزمة للجميع أقلية واغلبية.. يجب احترامها وتتصدي جميع القوي سواء كانت ممن قالوا »نعم« أو قالوا »لا« لمن يريد العبث بهذه الشرعية الشعبية أو اللعب في مقدراتها. فقد انحاز الاستفتاء إلي تسليم السلطة إلي المدنيين.. وهو الشعار الذي رفعه المجلس العسكري منذ اللحظة الاولي التي تولي فيها سلطة البلاد.. وهو الامر الذي اقره ايضا الشعب.. فلماذا الآن تثور هذه الاصوات لتعيد البلاد إلي نقطة الصفر مرة أخري والاهم من ذلك هو إلغاء نتائج الاستفتاء الذي شهد العالم بنزاهته وانه الاول الذي يشارك فيه الشعب المصري بحرية تامة دون ان تكون هناك املاءات عليه أو تزوير يجري علي ارادته. اصحاب الرأي المطالب بتأجيل الانتخابات البرلمانية يرون ان الوقت غير مناسب للقوي السياسية لتنظيم صفوفها في هذه الانتخابات وان فصيل الاخوان المسلمين هو القوي الوحيدة المستفيدة من اجراء الانتخابات في الوقت الحالي لانها الاكثر تنظيما وحشدا للاصوات وهو ما سيؤدي لفوزها باغلب مقاعد البرلمان القادم.. بينما القوي الباقية سوف تكون شاهدة فقط علي الانتخابات ومشاركة بنسبة ضعيفة فيها. وبرغم السبب في مطلب تأجيل الانتخابات البرلمانية إلا ان نتيجة الاستفتاء الذي قال فيه الشعب كلمته انحازت لعكس ذلك ووافقت علي اجراء الانتخابات البرلمانية علي الفور.. ثم تأسيس دستور جديد للبلاد.. وهو امر يجب احترامه من الجميع.. وفي كل الاحوال لا يمكن ان نستمر في جدل الخطوة الاولي نحو الديمقراطية.. دون النظر إلي رغبة الشعب التي تجسدت في نتيجة الاستفتاء من جهة ومن جهة اخري يجب ان نعي ان الفراغ السياسي الذي نعيشه الان يحتم علينا جميعا التحرك نحو الامام وليس العكس.. فمهما كانت نتائج الانتخابات البرلمانية.. فهي مجرد خطوة اولي.. وحتي لو سيطر الاخوان.. فلا داعي للخوف أو الريبة لما هو آت.. فقد عشنا سنوات طويلة تحت سيطرة الحزب الواحد.. ولا اتصور ان الشعب الذي عاني من هذه السيطرة السياسية لديه الرغبة في ان يكون هناك فصيل سياسي واحد هو المسيطر.. فقد خرجت الجماهير تدعو إلي الحرية والعدالة.. ولن تسمح للعودة إلي الديكتاتورية والصوت الواحد. دعونا نسير للامام.. ولا نعود مرة اخري إلي الوراء.. نحن الآن في حاجة إلي حراك سياسي حزبي.. بدلا من تناحر علي أولويات العمل السياسي والتي حسمها الشعب ويجب احترام شرعيته.