لم ارتكب جريمة من أي نوع، ومع ذلك ذهبت طائعا لكي أسلم نفسي في محراب مركز الإبداع الفني تلبية للأمر المرسل لي من رئيس شرطة الإبداع المصري الراقي خالد جلال. سلمت نفسي، ثقة مني بأنني سوف أخرج من مركز الإبداع بجرعة تطعيم إيجابية تمنحني الحصانة التي أواجه بها كل التشوهات السمعية والبصرية والأخلاقية التي تحاصرنا في الواقع المعاش، ثقتي نابعة من جرعات التطعيم السابقة التي حصلت عليها في العروض السابقة التي شاهدتها لمبدع استثنائي في تاريخ المسرح المصري، تنبأت له بكينونة خاصة تجعله متفردا ومغردا خارج سرب التقليد والتنميط، منذ أن شاهدته ممثلا ومخرجا في »دكتور كنوك» بمركز الهناجر للفنون، يومها أيقنت أن مصر الولادة تنجب كل 50 سنة موهبة استثنائية يهبها الله إبداعا مغايرا للمألوف، خالد جلال حالة استثنائية أشبه ببوتقة انصهرت فيها كل إبداعات كبار المبدعين في تاريخ الفنون المصرية، رأيت عندما رافقته في أكثر من سفرية مع عرض »قهوة سادة» في عدة دول عربية، رؤوس الكبار وهي تنحني في نهاية كل عرض تحية له وتقديرا لموهبته. خالد جلال في رأيي النقدي المتواضع قلب الفن النابض في مصر، وأتمني من المخرجين الشبان أن يذهبوا لعرض »سلم نفسك» أحدث نتاج إبداعات خالد جلال للدفعة الثالثة بمركز الإبداع لكي يدركوا كنه التجربة والحالة المسرحية التي تمتع المتفرج ذهنيا وبصريا ونفسيا وتثير فيه الفرحة والبهجة والألم والحسرة في آن واحد ليخرج في نهاية العرض بشحنة إيجابية تدفعه لتعديل سلوكه وسلوك المحيطين به. 27 شاباً من بينهم 9 فتيات يصعدون علي خشبة مسرح لأول مرة لكنهم كبار في الموهبة، كبار في الحضور، كبار في المعايشة والتقمص، باختصار عندما تشاهدهم لن تصدق أنهم تلاميذ دفعة من دفعات مركز الإبداع، تعلموا وتدربوا واتقنوا اللعبة المسرحية علي يد أساتذة كبار في التمثيل والرقص والغناء، ستقول مباراة : هؤلاء علي درجة متساوية في التنافس مع كبار النجوم والمحترفين، وتلك هي سمة خالد جلال وميزته الأساسية التي تفرخ للوسط الفني في كل دفعة مواهب شابة تتمتع بحرفية الممثل الشامل وتجدد دماء الشاشة والمسرح. خالد جلال يقدم في عرض »سلم نفسك» لوحات ارتجالية تم الاشتغال عليها مع هؤلاء الشباب لمدة عامين، ثم اشتغل علي ما نتج من هذه الارتجالات لمدة 6 شهور ليصنع بحسه وحرفيته لوحات العرض كدراماتورج ومخرج له حسه الخاص في انتقاء تلك اللوحات التي تمس كيان الإنسان المصري الذي تعرض لتشويه متعمد في جيناته التي لم تكن تعرف من قبل السلبية واليأس والإحباط والفهلوة التي تجعلنا نخجل أن نقول »ما اعرفش» فالمصري الآن يدعي معرفة كل شيء وأي شيء ويصف العنوان الخطأ لمواطن يسأل عن ميدان صلاح الدين وهو واقف أمام لوحة ميدان صلاح الدين، لم يعد لدي المصري الشهامة التي كان يتسم بها من بين كل شعوب الأرض، فالسيارة دهست مواطنا تجمع حوله عدد من المواطنين كل واحد منهم سلب منه شيئا من ملابسه ومقتنياته وفي النهاية باع جثته المواطن الأخير لتربي ! سوف تضحك من قلبك وأنت تشعر بالمرارة في لوحة الصعايدة الذين أكلتهم التكنولوجيا وأصبح التليفون المحمول والإنترنت سيدهم الذي فرق بينهم وجعل الأب يقتل ابنه والزوجة كل همها أن تحصل علي » الباصوورد »، الألم سوف يتملكك لكنك لن تستطيع أن تسيطر علي نفسك من الضحك المتواصل مع لوحة » الإرهابي »، أو لوحة » الاشاعات »، أو لوحة، » الطاقة السلبية »، وسوف تتأمل داخلك وداخلي وداخل كل المحيطين بك وبي وأنت تشعر بالحسرة والمرارة في لوحة »الوصية» التي تفضح ما جري للأسرة من تفسخ وانهيار أخلاقي أمام جلال الموت والصراع علي الميراث، لوحات كثيرة يقدم فيها خالد جلال بعض ما سبق أن قدمه من قبل في »قهوة سادة» و»بعد الليل» لكنه يقدمها بتنويعات مختلفة في الدلالة والرؤية، وفي النهاية تجد الأمل يتسلل إليك بأن المصري وإن كانت التشوهات البصرية والسمعية والأخلاقية غيرت من جيناته إلا أن هناك ملفاً مغلقاً في موقع عميق من ذهنه لا يفتح إلا بمعرفته هو فقط عند الضرورة ووقت الخطر، يصعب اختراقه أو هزيمته، وهذا سره الخاص الذي نراه في صلابة الجندي المصري الصامد في مواجهة كل أعداء الوطن، تلك هي الطاقة الإيجابية التي ينقلها إلينا العرض لكي نغير ونتغير. تحية خاصة للمخرج المنفذ علا فهمي ضابط إيقاع العرض، وأزياء مروة عودة، وموسيقي كريم شهدي، ومبروك لنجوم الدفعة الثالثة ميلادهم في مزود النجومية القادمة وهم : الحان المهدي، منصور أمين، أحمد الشاذلي، سارة هريدي، سارة عادل، مختار الجوهري، سارة سلام، محمد مجدي، هدير الشريف، نديم هشام، حمدي التايه، ريهام سامي، سارة مجدي، كريم شهدي، نجلاء فوزي، أمجد الحجار، أحمد محارب، كريم يحيي، رشا مجدي، محمد مدكور، عادل الحسيني، محمد أمين، محمد غيث، أحمد زكريا، شريف عبد المنعم، أحمد كيكار، عبد العزيز حسين، وتحية لقائد الإبداع الراقي خالد جلال.