افتتح الدكتور يحيي الجمل نائب رئيس الوزراء اعمال مؤتمر الوفاق القومي يوم السبت الماضي بتأكيده علي ان الافكار والمقترحات التي ستطرح في هذا المؤتمر غير ملزمة للجمعية التأسيسية التي سوف تتشكل من مائة عضو من اعضاء مجلسي الشعب والشوري لاعداد مشروع دستور جديد للبلاد. وكان الدكتور الجمل يشير الي ما تنص عليه المادة »06« من الاعلان الدستوري الصادر عن المجلس الاعلي للقوات المسلحة وقد جاء فيها: »يجتمع الاعضاء غير المعينين لاول مجلسي شعب وشوري في اجتماع مشترك بدعوي من المجلس الاعلي للقوات المسلحة خلال ستة اشهر من انتخابهم، لانتخاب جمعية تأسيسية من مائة عضو، تتولي اعداد مشروع دستور جديد للبلاد في موعد غايته ستة اشهر من تاريخ تشكيلها، ويعرض المشروع خلال خمسة عشر يوما من إعداده علي الشعب لاستفتائه في شأنه، ويعمل بالدستور من تاريخ اعلان موافقة الشعب عليه في الاستفتاء«.
وباعتباري أحد المشاركين في مؤتمر الوفاق القومي، لم اشعر بارتياح ازاء الاعلان الحاسم القاطع من جانب الدكتور الجمل بأن كل ما سنقوله في هذا المؤتمر »غير ملزم« ومن هنا وجهت اليه الحديث قائلا: انني كنت افضل لو ذكر ان افكار ومقترحات المشاركين في الحوار »ستوضع موضع الاعتبار« لكي يشجعنا علي الاقل علي المساهمة الايجابية في اعمال هذا المؤتمر. ولكن المشكلة لا تكمن فقط فيما قاله الدكتور الجمل.. فالسؤال المنطقي هو: اذا كانت هناك جمعية تأسيسية سوف تتولي اعداد الدستور الجديد.. فما هو بالدقة دور مؤتمر الوفاق القومي؟ هل هو مجرد »تقديم رؤية كلية محددة حول الدستور المصري الجديد«، واقتراح »مسودة لاحكام ونصوص هذا الدستور«؟ وهل تقتصر مهمة المؤتمر علي تقديم دراسات للجنة الحريات والحقوق والواجبات العامة، ولجنة السلطات العامة »التشريعية والقضائية والتنفيذية و.. رئيس الجمهورية« وحول النظام الانتخابي والهيئات الرقابية والاستشارية ولجنة القوات المسلحة والامن القومي.. الخ. وبعد كل ذلك الجهد.. تبقي افكار ومقترحات وتصورات ورؤي وصياغات مؤتمر الوفاق القومي.. استشارية وغير ملزمة!! اما اصحاب القرار.. فهم اعضاء الجمعية التأسيسية الذين سيتم انتخابهم من بين اعضاء مجلسي الشعب والشوري.. المنتخبين ولا أحد غيرهم. وبطبيعة الحال، فانه ليس هناك ما يضمن توافر ادني درجات الاهتمام لدي اعضاء الجمعية التأسيسية الموعودة بافكار ومقترحات مؤتمر الوفاق القومي. وكان ثمة قلق يسود بعض المشاركين في المؤتمر حول ما يمكن ان يكتنف الدستور الجديد من اجواء غامضة في المستقبل القريب.. والسبب هو ان »تركيبة« الجمعية التأسيسية المقبلة تتوقف علي نتائج الانتخابات القادمة لمجلس الشعب. ولما كانت هذه الانتخابات ستجري كما يبدو منذ الان في ظل انفلات امني وحوادث عنف واعتداءات تمارسها مجموعات لا حصر لها من البلطجية.. وايضا في ظل احتقان طائفي واشتباكات طائفية.. وفي ظل نفوذ وسطوة المال والرشاوي الانتخابية التي لم يضع لها قانون مباشرة الحقوق السياسية علاجا وفي ظل اوضاع اقتصادية متدهورة تصرف اهتمام المواطن عن ممارسة حقه الانتخابي.. فان هناك من يخشي ان تكون جمعية المائة غير معبرة عن ارادة الاغلبية الشعبية.. واذا حدث ذلك.. فاننا ينبغي ان نتوقع ان يكون هناك سبب اضافي لاهمال افكار ومقترحات مؤتمر الوفاق القومي الذي قد يكون اكثر تمثيلا للاتجاهات المتعددة للرأي العام.
والملاحظ ان عددا كبيرا من المتحدثين في مؤتمر الوفاق القومي طالبوا بأن تكون الاولوية، في جدول اعمالنا، الوطني، لوضع دستور جديد قبل اية خطوة اخري سواء انتخاب مجلس الشعب أو رئيس للجمهورية. ذلك ان سلطات الدولة التي ينص عليها الدستور تتوزع ما بين سلطة تشريعية وسلطة تنفيذية وسلطة قضائية. والدستور هو المؤسس لهذه السلطات. واحيانا.. يتساءل رجل الشارع قائلا: كيف انتخب مجلس شعب دون ان اعرف كل ما يتعلق بسلطاته وصلاحياته ودوره، وهل سيكون برلمانا حقيقيا ام مجلس »موافقون.. موافقون«؟ وكيف انتخب رئيسا للجمهورية قبل ان اعرف ما اذا كان يتمتع بسلطات مطلقة لا حدود لها ام بسلطات محدودة؟. وكل ما يتعلق بسلطات مجلس الشعب ورئيس الجمهورية سوف يتحدد في الدستور الجديد. ثم ان الهاجس الذي يسيطر علي المواطنين هو الخشية من ظهور ديكتاتور جديد يحل محل ديكتاتور سابق خاصة ان تجارب الشعب المصري سواء في العهد الملكي او الجمهوري تكشف ان جميع الكوارث التي حلت بمصر وحرمت مواطنيها من المشاركة في صنع القرار وتقرير مصيرهم ومستقبلهم وتسببت في افقارهم وتدهور مستوي معيشتهم ونهب اموال الامة.. انما يرجع الي حكم الفرد المطلق. المواطنون يحلمون بحكومات قوية تستند الي قاعدة شعبية عريضة تنعكس في مؤسسات دستورية تتمتع بثقة الشعب واحترامه ولايريدون حكومات تنتظر التوجيهات والتعليمات من الحاكم.. حكومات مسئولة امام البرلمان الذي يحاسبها ويمكن ان يسحب منها الثقة.. حكومات قادرة علي ان تتخذ مبادرات دون انتظار موافقات عليا. ويحلم المواطنون برئيس للجمهورية لا يملك سلطات واسعة بل محدودة للغاية ولا يتغول علي الحكومة او البرلمان.. رئيس لا يملك سلطة حل البرلمان الا بناء علي طلب الحكومة، ولا يستطيع منفردا اعلان حالة الطواريء الي اجل غير مسمي.. رئيس لا يستطيع وهو في موقع الرئاسة تأسيس حزب يتدافع لعضويته كل اصحاب المصالح الخاصة وطلاب المغانم والمنافع لاخفاء فسادهم تحت مظلة هذا الحزب. اذن.. كلمة السر هي الدستور.. ولكن.. اي دستور؟ يحلم المواطنون بدستور يستند الي مبدأ الامة مصدر السلطات، ويقوم علي الفصل بين السلطات، ويكفل كل الحريات السياسية والنقابية وحقوق الانسان والمواطنة وحرية التظاهر والاجتماع.. كما يحلمون بسلطة تشريعية تستمد قوتها من قوة الرأي العام المنظم الفعال القادر علي ان يفرض ارادته من خلال الانتخابات ويراقب الحكومة ويحاسبها. الرأي السائد بين المشاركين في مؤتمر الوفاق القومي هو دعوة المجلس الاعلي للقوات المسلحة لاعادة النظر في الاولويات.. لتكون الاولوية لوضع الدستور: أبوالقوانين. هذا ما طالب به كل من الدكتور ابراهيم درويش والدكتور محمد نور فرحات والدكتور علي السلمي واخرون. وألقت المستشارة تهاني الجبالي بالمفاجأة قبل نهاية المناقشات: اقتراح اجراء استفتاء حول: هل نضع الدستور.. اولا، أم تجري الانتخابات البرلمانية.. أولا؟ حتي يحسم المواطنون اية خلافات في هذا الصدد.