لست مندهشاً من خبر اغتيال أسامة بن لادن، وترويجه علي هذا النحو من محاولة إظهار قدرات أمريكا الفائقة في هذا التوقيت بعينه، ولست أثق كثيراً في هذا الإخراج المختل الذي جري بالحدث أو بالخبر علي وجه الدقة. فلقد كان إخراجاً هزيلاً، لا يرتقي أبداً إلي مستوي أحداث الثورات العربية الدائرة وإلي جحيمها المستعر الذي لن يبقي ولن يذر أياً من طغاة العصر الذين صنعتهم أمريكا.. فلقد رحل حقيقة »أسامة بن لادن« وتم تصفية جسده، إذا كانت للجسد آية، فآيته أنه لم يقدم دليلاً قاطعاً علي أن موته قد أنهي الفزع ولم يخلف من بعده فزعاً أكبر للغرب، ولكن الشيء المحقق من بعد هذا الإعلان عن موت أسامة أن العالم مقبل علي مرحلة أخري من الصراع الذي لن ينتهي خاصة أن أسبابه مازالت قائمة وأن أمريكا بكل ما تملك تدعم عملية سرقة وطن وطمس تاريخ شعب، وإهالة التراب علي مقدس إسلامي عمره ألف وخمسمائة عام في ضمير الشعوب الإسلامية.. ودعني فقط أذكرهم أن أسامة كان بطلاً عظيماً في يوم من الأيام في نظر الغرب جميعاً، وأنه كان ركناً ركيناً في ضرب الشيوعية في أفغانستان والتمهيد إلي إنهاء نفوذ الاتحاد السوفيتي في الشرق، ثم كان من بعد ذلك رمزاً لتيار بديل يمكن أن يكون ذريعة لدخول أمريكا أي مكان تريد وأي طريق تبغي السير فيه، نعم ساندت أمريكا »أسامة« وضخمت استعداداته الروحية والمادية التي كانت خصبة بالفعل ومهيأة تماماً لاستقبال هذه الإشارة ليصبح أسامة أسطورة عالمية فوق الخيال. وكان هناك في الخلفية البعيدة هذا الفكر المتطرف الذي أخذ يعد العدة لاختطاف أمريكا بشكل شرعي، فمنذ صعود »بوش« الابن للسلطة ومعه فريق من المتطرفين الذين تمدهم الأصولية المسيحية بكل أسباب الامتلاء والتحفز لغزو الشرق الإسلامي وامتلاك ثرواته وتمكين إسرائيل من السيطرة عليهم، كان هؤلاء يعدون العدة لتنفيذ وصايا تلمودية وأفكار ساهم فيها أحد أجداد »بوش« بكتابين معروفين ظلا دستوراً لكل من يريد أن يحافظ علي فكرة أرض المعاد خاصة كتاب »إحياء عظام بني إسرائيل«، ثم وضع »صموئيل هنتنجتون« مفكر العولمة كتابه »صدام الحضارات« الذي كان مجموعة من المحاضرات ألقاها في جامعات غربية مختلفة واستلهمها ذلك الفريق الشرس، يقوده »بوش الابن« وتلميذة »هنتنجتون« كواليزا رايس وديك تشيني الرجل الذي يكره العرب والمسلمين ويريد أن يبيدهم عن بكرة أبيهم كما أباد أجداده الهنود الحمر من فوق أراضيهم، وكان لزاماً أن تأخذ تعاليم »هنتنجتون« طريقها إلي الواقع ولكن علي جثث الضحايا والأبرياء من الذين لم يستوعبوا هذه الحقائق حتي الآن ومن غيرهم من دهماء العالم الذين لا يعتقدون فيما يعتقد هو وأصحابه من دعاة »الصليبية الجديدة أو المسيحية الصهيونية« التي شهوت وجه الحياة ووجه المسيحية السمحة. بدأت الحرب الجديدة، واستعيد أسامة بن لادن بالتحديد من جديد كعدو استراتيجي بديل للاتحاد السوفيتي وانحصرت رؤية بوش الابن ورفاقه في أن أسامة بن لادن هو الإسلام والمسلمون وهو المبرر الذي من خلاله يمكن أن تغزو أمريكا هذا العالم الإسلامي وأن تضمه إلي نفوذها وتضعه تحت أمرتها، واتفق علي أن الآلة الإعلامية هي السبيل الأمثل لإلباس المسلمين جميعاً عباءة أسامة بن لادن وكل أفكار من شأنها أن تشوه صورة الإسلام وتجعله في نظر العامة من شعوب العالم ذلك الدين الذي يقوم علي الإرهاب.. إذن فقد جاءت البداية الجديدة متجاوزة البداية الهزيلة لغزو الكويت من قبل صدام حسين، وأنه لا يخفي علي أحد دور المخابرات الأمريكية في تزيين الفكرة لصدام وإغرائه بها، حتي خلقت مبرراً كافياً للتدخل المباشر وضرب العراق وعزله وإحكام الحصار عليه تمهيداً لعمل آخر كان في باطن الغيب ينتظر، بداية مذهلة لم يفهم أحد أغوارها أو أبعادها حتي الآن، لقد صحا العالم علي مشاهد مروعة، ذاب برجاً التجارة العالمية علي أرض أمريكا في لحظات وكان الضحايا بالآلاف وتم توجيه ضربة للبنتاجون، وأخري كانت معدة لطائرة »بن بوش« الذي يقود عصابة الفكر المتطرف ويؤكد ذلك في كل تصريحاته، جاءت الفرصة، وكيف جاءت لا أحد يقطع بالحقيقة وليس هناك ما يقنع أولي الألباب تماماً كمشهد قتل »أسامة« اليوم. وعند إعلان »بن بوش« الحرب علي الإسلام تُلبسه ثوب الإرهاب، كأنها الإشارة التي التقطتها إسرائيل لتفعل بالأمة العربية ما تشاء، وتنشر أجهزة مخابراتها في كل مكان، وكانت البداية الرسمية بالعراق، وعلي كل البلاد العربية أن تستعد من الآن لدفع الثمن، الملايين سُحقوا في العراق، الآلاف المؤلفة طُحنوا في فلسطين بين غزة والضفة، الأنظمة العميلة قطعت الطريق علي المحاصرين من المقاومة في جميع البلدان العربية المختلفة أو الأسيرة تحت قبضة هذه الأنظمة المستبدة، هذا التحالف الوحشي بين أمريكا وإسرائيل والأنظمة قتل الملايين من الأبرياء فهل يعلنون توبتهم بعدما ظفروا بابن لادن وقتلوه ومثلوا بجثته كما يزعمون، هل يقف العالم الحر الآن بعد أن أطاحت الشعوب الحرة بعملاء إسرائيل وأمريكا من فوق عروشهم وبقيتهم في الطرق إلي سابقيهم؟! هل أنادي بأعلي صوتي، أهيب بأحرار المشرق والمغرب أن يصرخوا في وجه الأمريكان الذين خرجوا في الشوارع طرباً لموت أسامة وحكامهم، فليخرج إلينا »بوش الابن« لنحاكمه علي ما ارتكب من جرائم في حق الإنسانية وحق الشعوب المسلمة الغافلة.