من الطبيعي أن تكون لي ذكريات مهنية وصحفية مع دولة الكويت تعود الي سنوات طويلة مضت في اعقاب استقلالها عام 1691 . كنت في ذلك الوقت في بداية حياتي المهنية في أخبار اليوم حينما كلفت بالسفر اليها في مهمة صحفية لتغطية تهديدات الرئيس العراقي الاسبق عبدالكريم قاسم الذي قاد الثورة العراقية واسقط النظام الملكي كانت الكويت .. هذه الدولة العربية.. قد استقلت حديثاً عن بريطانيا.. الدولة التي كانت تحتلها. وقد اعلنت مصر في ذلك الوقت وقوفها الي جانب الكويت وأبدي الرئيس الراحل جمال عبدالناصر استعداده لارسال قوات الي هناك دفاعاً عن هذا الاستقلال. وانتهت الازمة بعد تصدي المجتمع الدولي وتحرك القوات البريطانية لرد هذه النزعة العدوانية. تكررت هذه الأزمة من جديد في عهد صدام حسين عام 0991 الذي استولي علي الكويت بالفعل ولكن كان لهذه المغامرة المجنونة نهاية مأساوية سواء لصدام ونظامه او لدولة العراق الشقيقة. حدث هذا رغم وقوف الكويت الي جانب العراق في حربها مع ايران ومساعدتها بمليارات الدولارات. وفي مواجهة هذه الازمة ايضاً التزمت مصر بموقفها القائم علي المباديء والقيم العربية والقومية عندما رفضت هذا الغزو غير المشروع للأراضي الكويتية. توجت هذا الرفض الذي يتعارض ويتناقض مع ميثاق الجامعة العربية والمواثيق الدولية وقرارات مجلس الامن بارسال قواتها المسلحة التي قامت بدور أساسي في تحرير اراضي هذه الدولة العربية الشقيقة عام 1991. هذه المواقف التاريخية علاوة علي الدور الذي ساهمت به الخبرة والمؤسسات المصرية قبل وبعد الاستقلال في التعليم وعمليات بناء الدولة الكويتية.. كان لها انعكاساتها علي مشاعر وارتباطات وعلاقات الكويت بمصر وشعب مصر.. انطلاقاً من هذا الواقع . كان من الطبيعي ان يتسم رد الفعل الكويتي تجاه الاحداث التي شهدتها وتشهدها مصر بعد ثورة 52 يناير بالاهتمام البالغ والقلق الشديد فيما يتعلق بمجريات الامور ايماناً بما لها من تأثيرات ايجابية وسلبية علي المصالح الاقتصادية والسياسية ليس علي دولة الكويت فحسب وانما بالنسبة لكل دول الخليج العربي التي تري في مصر الشقيقة الكبري وسياج الامن والامان لكل الامة العربية . تجسد هذا الاحساس فيما واجهته من اسئلة ونظرات تتسم بالحيرة من كل ابناء الكويت الذين التقيت بهم خلال مشاركتي في ملتقي الاعلام العربي الذي جمع العديد من خبراء كل افرع الاعلام مهنياً واكاديمياً علي المستويين العربي والدولي. الجميع وبلا استثناء تركزت استفساراتهم وتعليقاتهم علي اهمية عودة الامن والاستقرار الي مصر الشامخة كي تواصل دورها القيادي لأمتها العربية. وخلال الأيام الثلاثة التي امضيتها في الكويت اتيحت لي في احدي لياليها تلبية دعوة حضور فعاليات ديوانية الصديق الشيخ عبدالعزيز البابطين احد كبار رجالات هذا البلد العربي والذي يعد من اشهر رعاة الاحداث والمناسبات الثقافية علي مستوي العالم العربي وهو تربطه واسرته بمصر اقوي الروابط . كان ضمن الحضور العشرات من ابرز الشخصيات الكويتية في كل المجالات . .جميعهم وبلا استثناء كانوا حريصين علي ان يسألوني عما يجري في مصر وهم يتحدثون عما قدمته للشعوب العربية وعن اجمل ذكرياتهم فيها علي مدي سنوات وسنوات . قالوا انها ستظل بأفراحها وآلامها مرتبطة دوماً بوجدانهم . أبدوا لهفتهم علي معرفة أخبار تطورات الاحداث علي ارضها كما تحدثوا عن قيم وشهامة وأصالة وحرارة عواطف أبنائها وجذورهم الوطنية والقومية . عبروا عن قلقهم مما قد يكون قد تردد عن متغيرات في سلوكيات وطبيعة الشعب المصري. تساءلوا عن مسار السياسة المصرية في مواجهة النزعة العدوانية الايرانية تجاه العرب. حرصوا علي ان يؤكدوا رغبتهم في ان تتركهم طهران يعيشون في سلام دون تدخلات ومحاولات لزرع الفتن والسعي للسيطرة والهيمنة. أكدوا ان مصر العروبة تستحق كل السلامة والخير وان الواجب علي الجميع ان يعملوا من اجل رفعتها والحفاظ علي مكانتها الجديرة بتاريخها وعراقتها . اشاروا الي ان أم الدنيا يجب ان تستعيد توازنها وامجادها بأسرع ما يمكن وان تؤكد من جديد انها ارض الأمن والأمان لكل العرب ولكل ضيوفها الوافدين اليها من كل انحاء العالم. ان ما سمعته في ديوانية البابطين بالكويت هز مشاعري وجعلني اشعر بعظمة انتمائي واعتزازي بمصريتي . أحسست بأهمية وضرورة أن نكون جميعاً كمصريين علي مستوي المسئولية في الحفاظ عليها من كل سوء. في اعتقادي ان الزيارة التي قام بها الدكتور عصام شرف رئيس وزراء مصر للكويت سوف تساهم في ازالة الكثير من القلق والتوجس الذي لا ينكر احد انه يسود مصر وكل الساحات العربية.