تطور الحياة المتسارع وتقارب المسافات والثقافات بفعل التقدم التكنولوجي الفائق الذي جعل العالم أشبه بقرية كونية متصلة الأطراف جعل تجديد الخطاب الديني ضرورة تفرض نفسها ليتفاعل الفقهاء مع المستجدات حسب الزمان والمكان.. ولعل ما صنعه الإمام الشافعي يقودنا إلي نفس الطريق، فقد كتب فقهه مرة في العراق وكتبه مرة أخري في مصر وعرف الأول بالمذهب القديم وعرف الثاني بالمذهب الجديد.. ومن ضوابط تجديد الخطاب الديني مراعاة الإختصاص والتجرد من الهوي ومراعاة الأصول والثوابت وأن يكون القصد منه الإصلاح والإلتزام بأساليب اللغة العربية وقواعدها في تفسير النصوص وغيرها.. وعند تجديد الخطاب الديني فإننا يجب أن ندرك أن مراعاة الاختصاص هو من أهم ركائز تحقيق هذا الهدف.. وهذا يضعنا أمام نقطة محورية وغاية في الأهمية تنبه إليها مجلس النواب المصري الذي بدأ بالفعل حوارات ومناقشات جادة داخل لجنة الشئون الدينية بالمجلس لإصدار قانون لتنظيم الوعظ الديني في وسائل الإعلام الذي تقدم بمشروعه النائب محمد شعبان وعدد من زملائه.. وهذا يتسق مع أحد ضوابط ومعايير ممارسة العمل الإعلامي الذي يحظر بث أو نشر الدعوات التي يكون من شأنها تمييز بين المواطنين أو امتهان للأديان السماوية وللعقائد الدينية، والتأكيد علي القيم الروحية والأخلاقية التي ترسخها تلك الأديان ويؤمن بها المجتمع المصري.. ولضمان تنفيذ تنظيم عملية الوعظ الديني في وسائل الإعلام كان ضرورياً تحديد من يسمح لهم بالتصدي لهذه المهمة الحرجة والخطيرة التي يتوقف عليها نجاح تجديد الخطاب الديني، وهذا ما يمكن أن نطلق عليه » مراعاة الاختصاص » أي الإنسان المناسب والقادر علي القيام بمهمة الوعظ علي أرضية صلبة من العلم والفهم السليم لصحيح الدين بلا مغالاة أو تشدد أو تهوين.. وتقول المادة الأولي من مسودة مشروع القانون إنه لا يسمح لغير المرخص له من الأزهر الشريف أو وزارة الأوقاف أو دار الإفتاء أو أساتذة الشريعة بالحديث في الخطاب الديني بأي من وسائل الإعلام المختلفة، وللجهة المانحة حق سحب الترخيص حال إخلال المصرح له بضوابط التصريح التي تضعها الجهة المانحة.. وأتفق علي أن هذه المادة تحتاج إلي إعادة صياغة مع بعض التحديد وقد يكون ذلك في اللائحة التنفيذية للقانون التي توضح الشروط التي يجب توافرها في المرخص له من غير الجهات الأساسية الثلاث ( الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء ) والآلية التي يتم اختياره بها.. وقد تستعين اللجنة الرباعية المنوط بها إعادة الصياغة بإحدي مواد المشروع الملغي والخاص بتنظيم الخطابة الدينية ( المادة الثالثة ) في تشكيل اللجنة الخاصة لتحديد من تمنحه ترخيص الصلاحية للوعظ في أجهزة الإعلام.. وكل من يخالف هذه المادة من مشروع قانون تنظيم الوعظ الديني في وسائل الإعلام يخضع للعقاب وفقاً لمادة أخري مقترحة تقول : يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تجاوز ستة وبغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تجاوز خمسين ألف جنيه أو بإحدي هاتين العقوبتين كل من تحدث في الخطاب الديني بوسائل الإعلام من غير المرخص لهم من إحدي الجهات المنصوص عليها في المادة (1) وتضاعف العقوبة في حالة العود.. وتعاقب الجهة الإعلامية مرئية أو مسموعة أو مقروءة التي تسمح لغير المرخص له بالحديث في الخطاب الديني بغرامة قدرها مائتان وخمسون ألف جنيه، فإن تكرر ذلك منها تضاعفت الغرامة إلي نصف مليون جنيه مع إيقاف البرنامج لمدة شهر، فإن تكرر ذلك تكون الغرامة مليون جنيه وإيقاف البرنامج لمدة ستة أشهر. ويعد مشروع هذا القانون مكملاً أساسياً لقانون تنظيم الصحافة والإعلام الذي تستكمل المناقشات بشأنه هذه الأيام تمهيداً لإصداره في أقرب فرصة لتكتمل منظومة تنظيم الإعلام مع بداية مرحلة جديدة من الحرية المسئولة في هذا المجال الحيوي والمهم.