رئيس جامعة عين شمس يشهد رفع وتحية العلم خلال استقبال العام الجامعي 2024-2025    بدء تسكين طلاب جامعة القاهرة بالمدن الجامعية وفق الجداول الزمنية    اعتماد "تربية كفر الشيخ" من هيئة ضمان جودة التعليم    سعر اليورو اليوم السبت 28-9-2024 في البنوك    رئيس الوزراء يتفقد مشروع الفندق الجبلي المطل على دير سانت كاترين    مجلس الشباب المصري يختتم فعاليات برنامج «تعزيز القدرات الاقتصادية لصناع القرار»    محافظ الفيوم يتابع أعمال تنفيذ برنامج توسعات الصرف الصحي بعدد من القرى ضمن مشروع القرض الأوروبي    رئيس الوزراء الفرنسي: الوضع في لبنان خطير للغاية    «خامنئي»: لبنان سيجعل إسرائيل تندم على أفعالها    تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت    تشكيل مانشستر سيتي ضد نيوكاسل يونايتد في الدوري الإنجليزي.. هالاند يقود الهجوم    بعد التتويج بالسوبر الإفريقي.. الزمالك راحة من التدريبات 7 أيام    وزير الشباب والرياضة يفتتح أعمال تطوير الملعب الخماسي بمركز شباب «أحمد عرابى» في الزقازيق    الأمير أباظة يكشف عن أعضاء لجان تحكيم مسابقات الدورة 40 من مهرجان الإسكندرية    سفير الصومال: إرسال مصر قافلة طبية إلى بلادنا يعكس موقفها الثابت بدعمنا في شتى المجالات    مرض السكري: أسبابه، أنواعه، وعلاجه    الضرائب: إتاحة 62 إتفاقية تجنب إزدواج ضريبى على الموقع الإلكتروني    رئيس الوزراء يتفقد أعمال تطوير مطار سانت كاترين الدولي    لإحياء ذكرى وفاته ال54.. توافد العشرات على ضريح الزعيم الراحل جمال عبد الناصر    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 18 مليون جنيه خلال 24 ساعة    بقيم درجات حرارة أعلى.. الأرصاد تكشف حالة الطقس المتوقعة خلال الأيام المقبلة (تفاصيل)    وزير الإسكان يتابع استعدادات فصل الشتاء ب5 مدن جديدة    «أمن المنافذ»: ضبط 289 مخالفة مرورية وتنفذ 301 حكمًا قضائيًا خلال 24 ساعة    برلماني: التحول إلى الدعم النقدي يعزز الحماية الاجتماعية ويقلل منافذ الفساد    كانت دائما بتراضيني.. آخر ما قاله إسماعيل فرغلي عن زوجته قبل وفاتها    حكيم يشعل المنيا الجديدة باحتفالية ضخمة بمشاركة فريق مسار اجباري (التفاصيل والصور الكاملة)    الثقافة تحتفل باليوم العالمي للسلام مع أطفال الأسمرات بمركز الحضارة والإبداع    في اليوم العالمي للمُسنِّين.. الإفتاء: الإسلام وضعهم في مكانة خاصة وحثَّ على رعايتهم    علي جمعة: سيدنا النبي هو أسوتنا إلى الله وينبغي على المؤمن أن يقوم تجاهه بثلاثة أشياء    بعد واقعة النزلات المعوية.. شيخ الأزهر يوجه ب 10 شاحنات محملة بمياه الشرب النقية لأهل أسوان    رئيس جهاز السويس الجديدة تبحث مع مستثمري منطقة عتاقة تنفيذ السياج الشجري بطول 7 كيلو    شهداء وجرحى بقصف إسرائيلي على النصيرات والمغازي    وكيل صحة البحيرة يزور مركز طب الأسرة بالنجاح| صور    وزير التعليم العالي يتفقد جامعة حلوان ويطمئن على انتظام الدراسة    ضبط 4 متهمين بالحفر والتنقيب عن الآثار في القاهرة    جيش الاحتلال الإسرائيلي يعترض صاروخا بالستيا جديدا أُطلق من لبنان    الاثنين.. القومي للسينما يعرض فيلم الطير المسافر في نقابة الصحفيين    رانيا فريد شوقي وحورية فرغلي تهنئان الزمالك بحصد السوبر الإفريقي    "عمر كمال ورامي ربيعة الأعلى".. تقييمات لاعبي الأهلي بالأرقام خلال مباراة الزمالك في السوبر الأفريق    «الزراعة»: مصر لديها إمكانيات طبية وبشرية للقضاء على مرض السعار    رئيس هيئة الدواء: أزمة النقص الدوائي تنتهي خلال أسابيع ونتبنى استراتيجية للتسعيرة العادلة    «الداخلية» تحرر 508 مخالفة «عدم ارتداء الخوذة» وتسحب 1341 رخصة بسبب «الملصق الإلكتروني»    وزير خارجية الصين يشيد بدور مصر المحوري على الصعيدين الإقليمي والدولي    وزير الخارجية والهجرة يلتقي مع وزيرة خارجية جمهورية الكونغو الديموقراطية    تشكيل أرسنال المتوقع أمام ليستر سيتي.. تروسارد يقود الهجوم    الرئيس الإيراني يدين الهجمات الإسرائيلية على بيروت ويعتبرها "جريمة حرب" آثمة    أوستن: لا علم للولايات المتحدة بيما يجري بالضاحية الجنوبية لبيروت    مقتل شخص في مشاجرة بسبب خلافات سابقة بالغربية    سعر الفراخ اليوم السبت 28 سبتمبر 2024.. قيمة الكيلو بعد آخر تحديث ل بورصة الدواجن؟    اليوم.. محاكمة سعد الصغير بتهمة سب وقذف طليقته    أمين الفتوى: حصن نفسك بهذا الأمر ولا تذهب إلى السحرة    مواقف مؤثرة بين إسماعيل فرغلي وزوجته الراحلة.. أبكته على الهواء    برج القوس.. حظك اليوم السبت 28 سبتمبر 2024: لديك استعداد للتخلي عن حبك    كولر: لم نستغل الفرص أمام الزمالك.. والخسارة واردة في كرة القدم    وزير الخارجية يتفقد القنصلية المصرية في نيويورك ويلتقي بعض ممثلي الجالية    ستوري نجوم كرة القدم.. احتفال لاعبي الزمالك بالسوبر.. بيلينجهام وزيدان.. تحية الونش للجماهير    فتوح أحمد: الزمالك استحق اللقب.. والروح القتالية سبب الفوز    علي جمعة: من المستحب الدعاء بكثرة للميت يوم الجمعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المجانين «مش في نعيم»
نشر في الأخبار يوم 09 - 03 - 2017


»محمد»‬ يشكو قسوة إخوته و»‬عاصم» مصاب بهوس الخيانة
»‬ريشة» فقدت طفليها التوأم في حادث.. و»‬مغسلة الموتي» تصرخ: »‬هيقتلوني»
عالم غامض.. الدخول اليه ليس سهلا. اتهامات بارتكاب مخالفات جسيمة وصلتنا من مصادر شتي.. دفعتنا لتحري الحقيقة واقتحام هذا العالم المثير. انه مستشفي الصحة النفسية بالعباسية علي طريق صلاح سالم. قررنا رصد الاوضاع علي الطبيعة في مغامرة صحفية ولم نكتف بذلك بل التزمنا الموضوعية وواجهنا مدير عام المستشفي ماتوصلنا اليه فكان هذا الملف.
كان يتجول بوسط الفناء، وينتعل نعلا خفيفا بدون جورب، ثم وقف قليلاً ينظر تارة إلي صلعته وتارة أخري إلي قدميه العاريتين النحيلتين ويحمل في يديه كيساً صغيرا يجمع به صدقات، أقبل علينا وهو يرتعد من البرد وقال: »‬ حاجة لله يابنتي.. نفسي آكل أكلة نظيفة وألبس لبس كويس أو أشتري بطنية أتغطي بيها من البرد »‬.. ثم أخذ يقترب منا علي استحياء ووجهه يمتلأ بالتوتر والقلق الذي سرعان ما ترجمته عباراته التي بدت اشبه بصرخة خرجت من قلبه بعد ان تعذر عليه كتمانها..قائلا: »‬ ربنا كّرم الإنسان وميزه عن باقي خلقه لكن إحنا اللي بنهين بعضنا وبنقلل من قيمتنا كبشر.. الحياة هنا صعبة أوي يابنتي لا »‬لقمة» ولا »‬هدمة»ولا كلمة طيبة.. هنا دنيا العصابات.. هتلاقي كل حاجة وحشة تعذيب ماشي.. موت ماشي.. وتحرش واغتصاب كمان وفي الأخر يقولون علينا إحنا اللي مجانين ! »‬، وبصوت يغُلب عليه نبرة مليئة بالانكسار، اختتم عم »‬عبد الصبور» حديثه بنصيحة تلقائية قائلاً: »‬ خدي بالك من نفسك يا بنتي. خدي بالك من العاقلين مش المجانين »‬.. تلك الكلمات التي خرجت أثناء حواري مع محمد عبد الصبور، ذاك الرجل ذو الستين خريفاً وأحد النزلاء بمستشفي العباسية للصحة النفسية والعقلية، وقعت علي آذاني كالصاعقة.. وكأن الحياة »‬ فخاً» حزيناً نقع فيه جميعاً وكأن الدهر زيفاً ناعماً يغتال أجمل ما فينا.. لم أكن اتخيل يوماً ان تلك السرايا الصفراء التي تم تجسيدها في فيلم إسماعيل ياسين وأضحكت الملايين، بها كل هذا الواقع المرير من انتهاكات للإنسانية.. لم أكن اتخيل أن هناك مجانين عاقلين..! لكن ظروفهم اضطرتهم للبحث عن انزواء مجتمعي إعتقدوا انهم سيجدونه داخل تلك المملكة الخاصة بهم بعد أن طردهم المجتمع وصورهم لنا علي كونهم مجرد كائنات فاقدة للوعي لايلامون علي أفعالهم.. تم احتجازهم خلف تلك الأسوار الشامخة من أجل بداية حياة جديدة ولكن الحقيقة أن هذا المكان كان نهاية لحياتهم وليس بداية..!
فساد بالكوم !
كل هذه الوقائع زادت من عزيمتي لكي أبدأ رحلتي بالبحث عما يدور خلف أسوار عنابر »‬ المجاذيب»، وشاء القدر أن تقع بين يديي مستندات وأوراق تؤكد ارتكاب العديد من الانتهاكات في حق المرضي وتدني مستوي الخدمات، فضلاً عن المخالفات القانونية، ووقائع الفساد الإداري وإهدار المال العام.. لم يقتصر الأمر علي هذا فحسب بل ويكون عقاب مَن يعترض إما الضرب أو الفصل..!
حصلت »‬ الأخبار» علي التقرير الفني الصادر عن لجنة حقوق المرضي بمستشفي العباسية والذي وقعه المسؤولون بها ويفيد بأن معظم أقسام الإدمان بها أسلاك كهربائية عارية مما قد يعرض حياة المرضي للخطر، خاصة أنهم لا يتمتعون بقدرٍ كافٍ من الإدراك والوعي، كما أن طفايات الحريق منتهية الصلاحية ولا يتوافر أي عنصر من عناصر السلامة، كما أكد »‬ التقرير »‬ أن المياه تنقطع بصفة مستمرة حتي في المباني الجديدة مما يعيق المرضي عن ممارسة حياتهم اليومية بشكل طبيعي، وأن القسم الأرضي سيدات ( أ ) الحمامات به مظلمة ليلاً ونهاراً ولا يوجد بها أي إضاءة.. وليست الغرف بأفضل حالا بل افتقدت لادني مقومات الحياة الانسانية.. فمابالنا بمرضي لا حول ولا قوة لهم..
و أشار التقرير إلي أن الأقسام ذات روائح كريهة وعفنة بسبب انعدام مستوي النظافة، فضلاً عن وجود فتحات وثقوب بالأسقف يدخل من خلالها الحشرات والفئران، وان هناك تسريبات للمياه علي الأرض والنجارة والسباكة تحتاج إلي صيانة، والحمامات غير أدمية وتحتاج إلي تنظيف و»‬السيفونات » لا تعمل وبحاجة إلي تصليح.
طالب تامر السيد علي، باحث قانوني بمستشفي الصحة النفسية بالعباسية من رئيس محكمة القضاء الإداري بوقف تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة باستمرار الدكتور رضا عبد العزيز الغمراوي، القائم بأعمال مدير مستشفي الصحة النفسية بالعباسية في منصبه.
عريضة الدعوي
وتتمثل المخالفات المالية ( وفقا لما جاء في عريضة الدعوي ) في اعتماد مدير المستشفي بكافة التقارير الفنية والهندسية التي بموجبها يتم ابرام العقود المباشرة علي موظفة خريجة فنون جميلة »‬ رسم »‬ ليست متخصصة في الأمور الفنية والهندسية، بل والمفاجأة ان تلك المسؤولة كانت تم تكليفها بملف ادارة الصيانة المخولة وهو الامر الذي يجعل كافة العقود المبرمة غير ذات جدوي للمستشفي وتكبد الدولة الملايين، ورغم وجود 1900 موظف بالمستشفي إلا ان »‬ مدير المستشفي »‬ وفقا لما تتضمنته الدعوي اعتمد علي الشركات الخارجية في كل شيء مثل شركة خاصة للأمن علي الرغم من وجود أفراد أمن معينين، وشركة لتوريد الطعام علي الرغم من وجود مطبخ وعاملين به، وشركة ثالثة للنظافة علي الرغم من وجود عمال، وشركة لصيانة التكيفات علي الرغم من وجود فنيين تبريد وتكييف، وغيرها من الشركات الاخري التي تتقاضي ملايين الجنيهات من المستشفي .
كل هذه الوقائع دفعتني لاستكمال المغامرة واختراق تلك المملكة لكشف المستور خلف جدرانها وكشف مَن يتاجرون باسم الإنسانية أيضاً.. لم تكن المهمة سهلة أمامنا خاصة في ظل انتشار »‬ حراس أمن »‬ مفتولي العضلات ممن نراهم بصحبة المشاهير لحمايتهم ولا اجد سببا لوجودهم مع ابرياء احتموا بهذا المكان لاستعادة توازنهم وعقلهم الذي سلبه واقعهم الأليم.. هؤلاء الحراس وانتشارهم في كل شبر بأنحاء المستشفي جعل من التصوير مهمة شبه مستحيلة ولكننا نجحنا في التسلل من خلال أحد الأبواب الخلفية وبدأت رحلتنا داخل مستشفي »‬ المجاذيب »..!!
بدأت جولتنا من داخل ذاك الممر المُخيف والأشبه ب »‬ الخرابة »‬ في المستشفي تتراكم فيه القاذورات واكوام من الأخشاب والحديد المتراكم..وفي احدي اركانه سيارة إسعاف متهالكة ومحُطمة.. الولوج عبر الممر معاناة حقيقية بسبب الغبار المتطاير في كل مكان الكفيل باصابتك بمتاعب في جهازك التنفسي.. الأرضية مغطاه بالرمال، ويصطف علي جوانبه عدد من العنابر المهجورة ذات الحوائط المتعرجة، ويعمه السكون التام.. وفجأة يظهر خلفنا رجل عجوز يتمتم بكلمات غير مفهومة ويقترب منا ويقول: »‬ بتبصوا علي ايه؟ دا دي الاماكن اللي العصابة بتعمل فيها اي حاجة.. تحرش ونوم وكله »‬ ثم تركنا وظل يضحك ضحكات متقطعة عالية وكان يبدو من تصرفاته أنه احد النزلاء بالمستشفي، بدأ الذعر يتسلل إلي قلوبنا حتي اثار انتباهنا صوت احد الموظفين، الذي رفض ذكر اسمه ليخترق صمتنا وكانه كان مستمعا لحديث الرجل الستيني مضيفا عليه قبل معرفته بهويتنا:» هو مجنون بس فاهم.. علي فكرة كلامه حقيقي.. بس ما باليد حيلة ».. تلك الجملة التي نطق بها اثارت فضولي لمعرفة مغزاها فكشفت له عن هويتي فوافق ان يكشف لي اسرار المكان مشترطا عدم ذكر اسمه لانه يخشي علي نفسه من انتقام »‬ الكبار» وهو ما وعدته به فبدأ قلبه يطمئن قليلاً ثم بدأ يسرد لنا المأساة قائلاً: »‬ للأسف هنا فيه مافيا واللي بيتكلم أو يعترض إما في النهاية بيتسجن ويطلع هو اللي الغلطان او يسيبوا عليه المرضي ويموتوه من الضرب ويروح من غير دية.. وانا في الاخر لو روحت أو جيت موظف غلبان علي قد حالي».
عنبر العقلاء !
كان يرقد في سريره متكوراً كالكعكة.. يلعب في ياقة بيجامته، وعينيه تدور وتنظر يميناً ويساراً، وحين اقتربنا منه للحديث معه أخذ يصيح بعصبية »‬ كله منهم.. الله يسامحهم ».. إنه محمد محمود، يبلغ من العمر 52 عاماً، أحد نزلاء عنبر الرجال، يسرد إلينا قصته ويقول: »‬ كنت من عائلة كبيرة في بورسعيد، نعمل في تجارة المواشي والألبان، لم اتزوج علي الرغم من مقدرتي المالية واملاكي الطائلة هناك، ولكني مرضت بعد إصابتي بفيروس بالمخ وحينها استغل أشقائي فرصة مرضي، وعلي الفور قاموا بنقلي إلي هنا داخل هذا المكان السييء المؤذي لنفسي ولم يكتفوا بهذا بل أنهم رفعوا ضدي دعوي قضائية للحجر علي أموالي وميراثي ».
الحكاية لم تنته
دفع حارس العنبر بشدة، ودخل ليجلس فوق الكرسي واضعاً قدميه فوق بعضهما، وبدأ بالحديث معنا بشكل مباشر دون تردد.. إنه عاصم أحمد، 45 سنة، مصاب بهوس الخيانة، يروي »‬ عاصم »‬ ان سبب دخوله المستشفي كانت زوجته عقب خيانتها له، ويقول: »‬ كنت اعمل مدرس ثانوي بالسعودية وكانت تعيش معي زوجتي وأولادي الصغار، أتذكر انني لم أتعامل معها إلا بالحُسني وكانت حالتي المادية ميسورة، ولكن معاملتها معي بدأت تتغير تدريجياً، كنت أظن في باديء الأمر أن هذا الشعور مرحلة طبيعية في الحياة الزوجية ولكن الشعور بدأ يزداد بداخلي وبدأ يتسلل إلي قلبي الشك، وكنت أقول لنفسي أكيد بيتهيألي ».
ويستكمل: »‬ وذات تأكدت أنها تخونني مع حلاق باكستاني الجنسية كان يعيش هناك، بل أنها كانت تخونني أمام أطفالي الصغار، وهم الذين جاءوا إلي وأخطروني بكل شيء وتأكدت بنفسي ».
بردان
»‬بطانية وشبشب وبيجامة».. تلك هي كل ما يمتلكه عم سعيد حسين، في الدنيا، ويبلغ من العمر 60 عاماً، ذاك الرجل الذي كان يجلس في أحد أركان العنبر، وينتفض جسده من شدة البرد رغم إلتفافه ببطانية بحثاً عن دفء لم يجده داخل أسوار هذا المكان.. ولا ينطق لسانه سوي بكلمة واحدة »‬ بردان.. بردان».
خرجنا من ذاك العنبر وبدأنا نتجول بفناء المستشفي بمنتهي الحرص، لنجد في وسطه مجموعة من السيدات اللاتي كانت تبدو علي ملامحهن علامات الشقاء والألم والحرمان، سلب الزمن ابتسامتهن.. هن مريضات الأقسام المجانية، كانت كلاً منهن تجلس بمفردها ملتزمة الصمت ولا تميل إلي التحدث مما يبعث حالة من الإحباط واليأس في أرجاء المكان.. بينما تلك السيدة التي كان يملأها الحيوية والنشاط وكأنها فتاة عشرينة وكانت تختلف عنهن كثيراً.. تسير كالفراشة حاملة فوق كاهليها حقيبة بها الفرش واللوحات وباقة من الألوان.. إنها نسمة محمد، أو كما يلقبونها »‬ ريشة »‬، تعشق الفن وخاصة الرسم وهو الحافز الذي يجعلها تتغلب علي يأسها حين تضيق بها الحياة في العنبر، وتقول »‬ ريشة »‬: »‬ طول عمري نفسي أطلع رسامة مشهورة وأعمل معارض وألف جميع دول العالم لعرض لوحاتي، لكنهم حبسوني هنا »‬.
لم تتنازل »‬ ريشة »‬ يوماً عن حلمها حتي وهي حبيسة خلف تلك الأسوار، فتلك اللوحات تكاد ان تكون الشيء الوحيد الذي تبقي لها من ماضيها وذكرياتها بعد أن رحل طفليها التوأم في حادث مرير مما تسبب لها في ألم نفسي لم تستطع تحمله، وتسرد إلينا مقتطفات بسيطة قائلة: »‬ فضلت 10 سنين مستنية فرج ربنا، 10 سنين بحلم إني أنجب طفلا واحدا وكنت بروح لأكبر دكاترة وفجأة رزقني ربنا بتوأم مرة واحدة وبعدها أخدهم مني تاني في حادثة سيارة »‬، ثم تنظر إلينا بغضب وتصيح: »‬ عطلتوني كتير ممكن تسبوني اكمل لوحاتي انا معنديش وقت.. فني أولي بيا »‬.
زنانزين الموت !
سيدة في الثالثة والثلاثين، مُغسلة للموتي سابقة، تعاني من جنون الاضطهاد، تجدها اما راقدة في فراشها، او تخطو ذهاباً وإياباً من ركن الي ركن، وكأنما تسير للتريض، ولاتجلس إلا نادرا، منفعلة ومضطربة ومتوترة يؤرقها انتظار غامض وغير محدد، ويكفي ان تحدث ضجة حتي ترفع رأسها وهي تصرخ »‬ هيقتلوني.. هيقتلوني »‬ ، كان الحديث معها صعبا للغاية، ولكنها بدأت تسرد لنا ما تشعر به وتقول: »‬ بخاف اتكلم أو اتحرك لحسن يدخلوني زنازين الموت »‬، نظرنا إليها والدهشة تملأنا ولكنها استطردت حديثها قائلة: »‬ عنابر؟؟ مهما عملتوا مش هينفع تدخلوها.. الناس جوه عريانة.. أيوه عريانة وبيضربوهم كمان واللي بيموت مش بيسألوا فيه »‬.
في بداية الأمر لم نحمل حديثها محمل ثقة، وقمنا باستكمال جولتنا لنخرج علي أحد الازقة داخل المستشفي ويلتف حولنا العشرات من المرضي وهم يتسولون ويرددون: »‬ حاجة لله ربنا يكرمكم.. نفسنا في بطاطين.. الدنيا ساقعة »‬، وحين تحدثنا مع أحدهم أكد لنا ان هناك عنابر صعب الوصول لها يطلقون عليها »‬ عنابر الموت »‬ يتم احتجاز الحالات الصعبة بها ولكنها تعاني من المعاملات اللأخلاقية.. وهذا ما أكدته أيضاً »‬ س. م»، موظفة بالمستشفي، حيث تقول: »‬ الدنيا جوه خرابة بس استحالة تعرفي تدخلي هناك.. لانك ببساطة زمانك إتصورتي بكاميرا أي تليفون لاي فرد أمن او بادي جارد من إياهم وربنا يستر وتلحقي تخرجي لأنه في خطر علي حياتك، ممكن جداً يسلطوا عليك البوادي جارد والمرضي ودخلوني لحد ما يعرفوا انكم صحافة تكونوا موتوا »‬، وتستطرد حديثها عن عنابر الموت قائلة: »‬ الناس هناك ريحتها صعبة.. لحم فوق لحم، وشعرهم منكوش وبيمشوا فعلا عرايا في عز البرد ده ومن غير هدوم ولا شباشب حتي.. مافيش اي نوع من الانسانية ولا ضمير حد يصحي ويقول انهم بني أدمين، بيستغلوا انهم مرضي نفسيين وبيتعاملوا معاهم علي انهم مش عايشين ومغيبين »‬، وتابعت: »‬جوه العنابر دي هتلاقي كهرباء ممكن تبقي زيادة ويموتوا فيها وممكن ياخدوا علاج غلط قمة الاهمال »‬، وعن بعض الوقائع تسرد لنا: »‬ من شهر تقريباً مات واحد جوه وهو قاعد علي السرير وفضل علي السرير 6 ساعات ومحدش عارف انه ميت أصلاً من الاهمال وفي النهاية وضعوا جسمه في مياه ومحاليل ومواد كيميائية عشان جسمه يفك ومايبانش انه ميت بقاله فترة طويلة »‬.
بوابة خلفية للمساجين
يؤكد العديد من العاملين بالمستشفي أن هناك تجاوزات تحدث في قسم علاج المسجونين والخطرين والمحبوسين علي ذمة القضايا، المختلين عقليًّا، أو من يعانون من مرض نفسي، في مستشفي العباسية، الذين يتم احتجازهم في المكان، لحين انعقاد لجنة فحص المرضي، لتحديد ماذا إذا كانوا يحتاجون إلي جلسات كهرباء أم أن شفاءهم يقتصر علي الأدوية أو يؤكد الفحص أنهم سالمون ويدّعون الجنون، حيث يشيرون إلي ان إدارة المستشفي تسمح لاهالي هؤلاء المحبوسين علي ذمة القضايا بزيارات داخل المستشفي دون الحصول علي إذن من النيابة مما يخالف القانون ويجعل ذاك القسم بمثابة باب خلفي للتستر علي المُسجلين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.