لعل الحديث عن صياغة هوية اقتصادية وطنية سبق وان استحوذ علي العديد من دوائر النقاش، لفترات طويلة علي مدار العقود الثلاثة الماضية، حتي وصلنا لمرحلة من الملل ارتبطت بتكرار المترادفات والتعريفات ذات الصلة علي لسان الحكومات المتعاقبة وآخرها حكومة النظيف التي أفرغت الحديث من مضمونه وسطحت تناوله مختزلة النقاش في قشور المظهر. فبداية قد لا أكون مخطئا، علما بأنني انتمي لتيار الوسطية الاقتصادية التي تعلي من قيمة العدالة الاجتماعية التي تضمنها الدولة في اطار ممارسة اقتصادية تنافسية، لعلي لا أكون مخطئا اذا قلت ان تجربة الاقتصاد المركزي في مصر لم تأت علينا بالخراب كما حاول مصاصو دماء الشعب ان يروجوا، بل علي العكس نجدها قد نجحت في مجملها علي الرغم من أوجه القصور الاداري الذي شابها في بعض القطاعات، استطعنا من خلال الإعداد وخوض معارك التحرير في اكتوبر 3791 ولنا هنا مثلا في القطاع العام الذي اسهم في تماسك الجبهة الداخلية وخلق قاعدة صناعية وطنية ومستقلة مكنت من تحقيق هذا النصر. وبأسلوب علمي وجدتني مقتنعا ان التجربة لم تكن بهذا السواد الذي روج له عرابو الخصخصة، والذين انتهي الامر علي ايديهم الي التفريط في هذه »الاصول« ،. وقاموا ببيعها بثمن بخس لمستثمرين ربما شكل بعضهم خطرا علي الامن القومي المصري. وبالمثل فإن النظرة العلمية المجردة ايضا، وفي اطار السعي لتقييم تجربة التحول الاقتصادي في مصر، نجدها قد مرت بعدة مراحل،. مرحلة اولي اخلصت فيها النوايا رغبة في احداث اصلاح حقيقي.. كانت العدالة الاجتماعية فيها لا تزال حاضرة في ذهن أولي الامر، وتلك انتهت بخروج وزارتي د. عاطف صدقي وكمال الجنزوري. ويمكن القول بانها نجحت في حد كبير في تجاوز الاثار الاجتماعية الجانبية التي عادة ما تصاحب تجارب التحول الاقتصادي المماثلة.. المرحلة الثانية وهي الاخطر بدأت عقب تولي وزارة د. عاطف عبيد، وهي لم تكن مرحلة تحول قدر ما كانت مرحلة »تفريط اقتصادي« تراجعت فيها مفاهيم الملكية الوطنية والشرف والامن القومي لادني مراتبها، بحيث لم يكن مطروحا ابدا فكرة تطوير القطاع العام أو مساعدته علي النهوض من عثرته.. بل اقترنت هذه المرحلة بصفقات مشبوهة لبيع اصول عزيزة لم تتكشف بعد جميع الملابسات المحيطة بكيفية التفريط فيها. بل الغريب اني لم اقرأ حتي الان عن توجيه اتهام مباشر للسيد رئيس الوزراء السابق في ظل مسئوليته الضمنية بحكم موقعه عن التستر علي هذا الانحراف. او سلوكيات وزير اسكان غير مصري كان من المفترض ان يؤتمن علي ارض الشعب ففرط فيها، عندما يقوم الشريف المستشار جودت الملط بتعرية فساد وزير المالية السابق كل عام في جلسة علنية لمجلس الشعب، ثم تختتم في النهاية بالانتقال لجدول الاعمال دون حتي طلب فتح تحقيق أود التأكيد بأنه ليس مهما طبيعة التوجه الاقتصادي سواء ليبراليا كان أم مركزيا قدر أهمية صلاح المنظومة التي تشرف علي تطبيقه.