لا يزال باطن الأرض المصرية يحوي الكثير من الكنوز والمعادن التي تستطيع إخراجنا من مشكلاتنا الاقتصادية وتضمن مستقبلا أفضل للأجيال اللاحقة، فقط إذا أحسنّا استغلالها ووفّرنا لها المصانع اللازمة وعملنا علي إعادة صياغة قوانينها القديمة وقضينا علي الفساد الذي يحتاج إلي تدخل جراحي حتي تكون لنا مواردنا مثل الدول الأخري.. هذا ما يشير إليه أحد أهم علماء الجيولوجيا الاقتصادية بمصر والشرق الأوسط، د. مصطفي سليمان الأستاذ بالجامعة البريطانية، وصاحب عشرات المؤلفات عن تاريخ العلوم: ....................؟ - الثروة المعدنية في مصر كبيرة ومتنوعة وعلي رأسها حجر الجير والطفلة، غير أن استغلالها لا يتم بالطريقة الصحيحة، وما يدخل في خزينة الدولة علي سبيل المثال عن كل طن أسمنت مقابل هذه الخامات بضعة جنيهات، وأقترح أن تدخل الدولة كشريك بحصة الخامات (حجر الجير والطفلة) في صناعة الأسمنت وعندئذ سوف يدخل في خزينة الدولة مليارات الجنيهات سنوياً بعضها بالعملة الصعبة، وشيء مثل هذا يجب أن يتم مع بقية الثروات المعدنية غير أن ذلك لم يحدث بسبب فساد قانون المناجم والمحاجر ويحتاج هذا الأمر إلي علاج جراحي لا يقدر عليه إلا رئيس الدولة، كما تعد مصر دولة ذات تخطيط سيئ في استخدام الأراضي حيث تبني المنازل والمنشآت علي التربة الزراعية في وادي النيل والدلتا وتحاول استصلاح الأراضي الصحراوية التي تعتمد أساسًا علي المياه الجوفية، هناك تقديرات بالغة التفاوت عن أحجام المياه الجوفية في خزان الحجر الرملي النوبي في الصحراء الغربية وأغلب هذه التقديرات مبني علي اعتبارات سياسية واجتماعية ولا تستطيع الصمود أمام الفحص العلمي الدقيق ومن ثم يجب عدم الاعتماد عليها في التخطيط لاستصلاح الأراضي، لذلك أقترح أن يتم تقدير أحجام المياه الجوفية في الصحراء الغربية من خلال ثلاث مجموعات عمل مستقلة إحداها من الخارج، حتي لا نكرر قصة الوادي الجديد في مصر أو نهر الأنابيب (النهر الصناعي) في ليبيا. ...........................؟ - تعتمد صناعة الأسمنت، أهم مادة صناعية في حياة الإنسان، علي حجر الجير والطفلة (الطمي أو الصلصال) حيث يحرق مخلوط من هاتين المادتين في أفران خاصة في درجة حرارة تتراوح من 1400 إلي 1650 درجة مئوية، ثم تطحن المادة الناتجة وتعبأ في أكياس ورقية وتباع للمستهلك.. وكان يجب أن تشكل خامات الأسمنت والسيراميك والزجاج وكذلك الرمال والحصي (الزلط) المستخدمة في صناعة البناء وكذلك بقية الثروات المعدنية اللافلزية مثل الفوسفات، والثروات المعدنية الفلزية وعلي رأسها الذهب، وكان يجب أن تشكل هذه الثروات المعدنية الجانب الأكبر في الاقتصاد المصري مثلما يشكل البترول الجانب الأكبر في اقتصاد الدول البترولية غير أن ذلك لم يحدث ويتم إهدار هذه الثروات المعدنية بالفساد والقوانين المتخلفة وعلي رأسها قانون المناجم والمحاجر سيئ السمعة، فبفضل هذا القانون (الذي لم يعدل منذ خمسينيات القرن الماضي) والذي تنص إحدي مواده علي أن تحصل الدولة من مستأجر المحجر أو المنجم علي خمسة جنيهات مصرية عن كل هكتار (عشرة آلاف متر مربع) من مساحات محاجر حجر الجير والطفلة وغيرها (العمق غير محدد).. وبفضل هذا القانون المتخلف والفاسد والذي يستفيد منه البعض بكل تأكيد، تحصل شركات صناعة الأسمنت والسيراميك والزجاج والشركات والأفراد الذين يصدرون أحجار الجير بدون ثمن تقريباً ويحدث نفس الشيء أيضاً في محاجر الرمل والزلط.. طن الأسمنت أو السيراميك لا يكلف الشركات المصنعة لهما سوي بضع مليمات ثمناً للخامات المستخدمة. .............................؟ - موضوع الذهب في مصر موضوع مثير للدهشة والعجب، فعلي الرغم من وجود عشرات مناجم الذهب الكبيرة والصغيرة أكثر من 180 موقعاً ومنجماً للذهب والتي استمر استخراج الذهب منها منذ العصر الفرعوني وحتي منتصف القرن العشرين، فإنه لا توجد دراسة علمية جادة علي هذه المناجم باستثناء عدد قليل منها مثل منجم السكري للذهب الذي اهتمت به المساحة الجيولوجية المصرية منذ سبعينيات القرن الماضي وأوفدت إلي منطقة هذا المنجم بعثتين جيولوجيتين بهدف تقدير الذهب في صخور المنجم وبعض المناجم المجاورة له ......................................؟ -هنالك مثال آخر لنهب واستنزاف الثروة المعدنية في مصر، وهي خامات القصدير والنيوبيوم والتنتاليوم والعناصر الأرضية النادرة (عناصر اللانثانيدات)، وهذه الخامات بطبيعتها الجيولوجية توجد بكميات محدودة في العالم كله، وتدخل في صناعات عديدة علي رأسها الصناعات التكنولوجية المتقدمة وتعد الصين واليابان والولايات المتحدةالأمريكية أكبر مستهلك لهذه الخامات. وتوجد هذه الخامات في عدد كبير من المواقع من الصحراء الشرقية بمصر منها علي سبيل المثال جبل المويلحة (جنوب غرب مدينة مرسي علم علي ساحل البحر الأحمر) ومنطقة العجلة وأبو دباب (شمال غرب مرسي علم). وفي ستينيات وسبعينيات القرن الماضي قدرت البعثات الجيولوجية التابعة للمساحة الجيولوجية المصرية بمساهمة من برنامج الأممالمتحدة الإنمائي، كميات خامات القصدير والنيوبيوم والتنتاليوم والعناصر الأرضية النادرة وغيرها في العديد من المناطق في الصحراء الشرقية بمصر منها منطقة المويلحة والعجلة وأبو دباب وغيرها. (بعض هذه التقديرات منشور في تقرير الأممالمتحدة رقم (3) لسنة 1974) ويتم منذ سنوات وحتي الآن نهب واستنزاف هذه الخامات المهمة بالفساد والقوانين المتخلفة المدعمة له. .....................................؟ - وقف العمل في استنزاف الثروات المعدنية وعلي رأسها الذهب والقصدير والنيوبيوم والتنتاليوم والعناصر الأرضية النادرة وغيرها فورًا ودون إبطاء أو مناقشات بيزنطية أو »شو» إعلامي أو مساجلات قانونية أو لجان بيروقراطية.. إلغاء مبدأ تأجير المحاجر والمناجم وأن يتم بيع منتجاتها (مثل حجر الجير والطفلة والفلسبار والمرو ورمل الزجاج) بالمتر المكعب علي ألا يقل نصيب الدولة عن 20% من ثمن بيع الأسمنت أو السيراميك كثمن للخامات المستخدمات في هذه المصنوعات، وأن يطبق نفس المبدأ علي أحجار الجير (والرخام) وبقية المواد المستخدمة في صناعة البناء (الرمل والزلط ) علي ألا يقل نصيب الدولة عن 20% من السعر الذي تباع به هذه المواد للمستهلك بشرط ألا تزيد أسعار بيع الأسمنت والسيراميك أو حجر الجير أو الرمل والزلط عن أسعارها الحالية، وعندئذ سوف تتدفق إلي خزينة الدولة مئات مليارات الجنيهات سنوياً ثمنا لهذه الخامات المهدرة والمستنزفة بالفساد..