[email protected] لعل من أعظم وأبهي ثمار ونتائج ثورة 25 يناير المباركة ذلك التلاحم الرائع بين الشعب وقواته المسلحة..وربما لو انفقت الشئون المعنوية ، المكلفة بإبراز دور الجيش والحفاظ علي صورته نقية طاهرة في أذهان وعيون وقلوب الشعب، عشرات المليارات من الجنيهات لما استطاعت أن تصل الي واحد في المائة مما أنجزته الثورة بهذا الشأن في فترة قصيرة للغاية ..لقد أعاد المصريون في لحظة فاصلة وفارقة من تاريخهم إكتشاف جيشهم الباسل .. وكم سعد المصريون وهم يرون جيش بلادهم الذي أمره الطاغية حسني مبارك بالخروج من الثكنات لفض المظاهرات المطالبة بسقوط نظامه وسحق المحتجين وضربهم بالرصاص الحي ، ينحاز الي الثورة ويعترف بشرعية مطالب الثوار..وثبت للعالم كله أن الثورة التي فجرها شباب مصر ودعمها الشعب بالملايين لم تكن لتنجح بهذه السهولة النسبية ، ودون حمام دم أو حرب أهلية كما يحدث الآن في ليبيا، لولا تبني الجيش لها وإنحيازه للثوار ..وطوال أيام الثورة كان آداء الجيش رائعا ..فقد أعلن منذ البداية أنه لم ولن يتورط في إطلاق النار علي المتظاهرين مؤكدا حق الشعب في التعبير السلمي عن رأيه ..وشدد علي عدم رغبته في البقاء في سدة الحكم بل يود العودة سريعا الي ثكناته لإستئناف مهامه المقدسة في الدفاع عن حدود الوطن وأمنه القومي ومصالحه العليا..ومن جانبه ، عبر الشعب عن بالغ حبه وتقديره لدور الجيش وكانت ذروة الآداء الوطني لجيشنا العظيم إعلان إجلاله لشهداء الثورة وآداء التحية العسكرية لهم في مشهد مؤثر اهتزت له القلوب ودفع الدموع الي مآقي عيون أغلب المصريين..وفضلا عن ذلك إعترف الجيش بالشرعية الثورية وإستجاب لمطالب الثوار بإقالة حكومة الفريق أحمد شفيق الفاقدة للشرعية ، لأنها أدت اليمين أمام رئيس فاقد للشرعية ، وتكليف الدكتور عصام شرف ، بناء علي ترشيح ثوار التحرير، بتشكيل حكومة تسيير أعمال جديدة.. وأعتقد أن واجب كل المصريين أن يحافظوا علي ذلك التوحد والحب المتبادل بين الجيش والشعب ويعملوا علي تعزيزه وإستثماره لصالح وطننا الذي سيكون في حاجة ماسة لجهد كل مواطن في الفترة الانتقالية الصعبة الحالية ، وفي كل الاوقات، للنهوض بالوطن وتعويض سنوات الضياع والنهب والتخلف والتجريف والتبعية التي عانينا منها طوال 30 عاما..وبناء علي هذا الرصيد الذهبي الذي حققته ثورة 25 يناير ..فإنني أتقدم بنداء الي المجلس الاعلي للقوات المسلحة ألا يستعجل العودة الي الثكنات قبل ضمان إقامة حياة ديمقراطية سليمة وإجراء انتخابات رئاسية تعددية نزيهة تحت الاشراف القضائي الكامل.. ولعل أعضاء المجلس العسكري يلمسون ويدركون أن هناك إتفاقا شبه كامل من كافة القوي السياسية ، وخاصة ابطال ثورة 25 يناير ، علي رفض التعديلات التي تمت علي الدستور المعطل والتي زادته تشويها وترقيعا وتركت فيه من العوار ما يسمح بعودة الديكتاتورية والاستبداد حيث تركت التعديلات المذكورة المادة الخاصة بصلاحيات الرئيس المطلقة دون تغيير ..وهناك دعوة واسعة النطاق لمقاطعة الإستفتاء المزمع علي التعديلات أو رفضها تماما..ولو تم رفضها ، وذلك هو الارجح طبقا لإستطلاع الرأي الذي أجراه مركز إتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، سنكون قد خسرنا الكثير من الوقت والاموال ،وما أغلاهما بالنسبة لنا الآن ، وسنعود للمربع رقم واحد..ثم إن هناك دعوة قائمة لمظاهرة مليونية بميدان التحرير يوم الجمعة القادم لرفض التعديلات والإصرار علي وضع دستور جديد..وأكاد أجزم بأن قواتنا المسلحة ستضيف الي مبادراتها الرائعة الكثير بالموافقة علي وضع دستور جديد يؤكد شرعية ثورة 25 يناير ويقطع الصلة مع العهد الفاسد البائد الذي خرب كل شيء جميل في بلادنا..وهناك مطالب وملاحظات كثيرة لم تتضمنها التعديلات الدستورية المرفوضة والتي يتعين النص عليها في الدستور الجديد وقوانين مباشرة الحقوق السياسية وتتلخص في وضع حد أقص لسن المرشح للرئاسة وليكن مثلا 65 عاما أو 70 عاما علي أقصي تقدير ..والنص علي ضرورة انتخاب نائب للرئيس في بطاقة واحدة مع الرئيس ..وكذلك النص علي حق المصريين في الخارج في المشاركة في الإنتخابات وكذلك حقهم في وجود من يمثلهم في البرلمان..إضافة الي السماح لهم بالترشح لمنصب الرئيس حتي ولو كان متزوجا من أجنبية شرط ألا يحمل جنسية غير الجنسية المصرية..وهناك مطلب أساسي يتمثل بالنزول بسن الإنتخاب من 18 الي 16 عاما (في إيران 15 عاما) كي نضمن إنخراط شبابنا ، الذين بهروا العالم بثورتهم ووعيهم ونضجهم، في الحياة السياسية..وذلك سيعطي حياتنا قوة دفع وطاقة إضافية نحن أحوج ما نكون اليها في تحقيق نهضة سريعة لهذا الوطن.. بقي مطلب رئيسي هو بقاء المجلس العسكري في السلطة مع حكومة تسيير الاعمال الحالية التي نثق فيها ،رغم الوجوه المرفوضة التي خدمت في عهد مبارك وتورطت في فساده ، ولو حتي بالصمت، والتي ينبغي التخلص منها في أقرب فرصة ، حتي الانتهاء من وضع الدستور الجديد ثم إجراء الانتخابات الرئاسية علي منصب الرئيس ونائبه ..وحينئذ يمكن للرئيس الجديد الدعوة لإنتخابات البرلمان والمجالس المحلية بعد أن تكون الاحزاب والقوي السياسية القديمة والجديدة قد أخذت فرصتها الكافية والعادلة للوصول الي الجماهير وتأسيس قواعدها في مختلف أنحاء مصر..إنه نداء يستهدف تأكيد الشرعية الثورية التي تتطلب دستورا جديدا وسوف يؤكد ، في حالة تلبيته، إنحياز القوات المسلحة لمطالب الشعب المشروعة.. وأخيرا"..فإنه إذا كان صحيحا أن الشعب هو مصدر كل السلطات فإن الصحيح كذلك أن الشعب انتزع الشرعية من النظام السابق عندما خرج الي الشارع بالملايين في الخامس والعشرين من يناير هاتفا "الشعب يريد إسقاط النظام" ..وعندما سقط حسني مبارك وتعهد الجيش بحماية الثورة وإعترف بشرعيتها بادل الشعب جيشه ثقة بثقة وأوكل الي قواته المسلحة إدارة المرحلة الانتقالية لحين استقرار الامور وتمام التحول الي الديمقراطية الكاملة بدستور جديد يعبر عن كل ما قامت من أجله الثورة..وأعتقد أن الجيش سيؤدي الامانة علي أكمل وجه ويكمل المهمة حتي النهاية وهو ما يعني تحقيق كل أهداف ثورة 25 يناير بحيث تكون مصر ما بعد الثورة مختلفة في كل شيء عما قبلها.