في محاولة يائسة منها لتفادي التورط العسكري المباشر في القتال الذي طال أمده بين نظام القذافي ومعارضيه ، طلب الأمريكيون من السعودية النظر فيما إذا كان بمقدورها تزويد معارضي القذافي في بنغازي بالسلاح . ولكن المملكة التي كانت تواجه يوم الجمعة - وقت تمرير الطلب الأمريكي في سرية تامة - " يوم غضب " من جانب الأقلية الشيعية التي تمثل 10 ٪ من عدد سكان البلاد ، ومعهم الشيعة في البحرين المجاورة ، وفرضت حظرا علي جميع أشكال التظاهر ، لم تستجب حتي الآن للطلب الأمريكي . رغم أن الملك عبد الله بن عبد العزيز - شخصيا - يمقت القذافي ، الذي حاول أن يغتاله قبل عام مضي . ويأتي الطلب الأمريكي في إطار التعاون العسكري القائم فعلا بين الولاياتالمتحدة والسعودية . فقد قدمت السعودية من قبل أسلحة إلي ثوار " الكونترا " إبان رئاسة رونالد ريجان ، وأعطت دعما عاجلا لدعم الجهود الأمريكية لتسليح الثوار الأفغان ، الذين كانوا يقاتلون جيش الاحتلال السوفيتي في أفغانستان في عام 1980 وفيما بعد قاموا أيضا بتتمويل وتسليح حركة طالبان ، وهو الأمر الذي كان قد أثار - آنذاك - استياء الأمريكيين . ولكن تظل السعودية الحليف العربي الوحيد للولايات المتحدة الذي يستطيع - استراتيجيا ذ تمرير الأسلحة إلي الثوار الليبيين. وقيامها بذلك من شأنه أن يمكن واشنطون من أن تنأي بنفسها عن التورط المباشر في المستنقع الليبي رغم حتي وإن كانت الأسلحة أمريكية الصنع وسعودية التمويل. وقد أبلغ الأمريكيون السعودية أن معارضي القذافي بحاجة ماسة إلي أسلحة مضادة للدبابات وقذائف هاون وصواريخ مضادة للطائرات حتي تستطيع التصدي للهجمات التي تشنها القوات الموالية للقذافي ، لاستعادة المدن التي يسيطرون عليها .. ويمكن للأسلحة أن تصل إلي بنغازي - حيث قلب الثورة - خلال 48 ساعة ولكنها ستحتاج إلي طائرات نقل تحط في قواعد جوية في ليبيا يسيطر عليها الثوار المعارضين لنظام القذافي ، أو مطار بنغازي ، بحيث يمكن لمعارضي القذافي ، حال شنهم هجمات بمساعدة هذه الأسلحة ، علي المدن التي لا تزال خاضعة لسيطرة العقيد ، أن يخففوا من الضغوط السياسية ، التي تتعرض لها إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما وحلف شمال الأطلنطي " الناتو " من قبل جهات خارجية وداخلية ذ كأعضاء الحزب الجمهوري المعارض لأوباما الذي ينتمي للحزب الديمقراطي الحاكم في أمريكا الآن - وتطالب بفرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا لمنع مقاتلات القذافي من الاستمرار في شن غاراتها علي الثوار المعارضين لنظامه. فقد أوضح مستشارو أوباما له أن فرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا سيستوجب بالتبعية ضرب منشآت عسكرية للقذافي منها قواعد إطلاق الصواريخ التابعة له ، مما سيجر واشنطون مباشرة إلي اتخاذ جانب المعارضة، وخوض الحرب معها ضد قوات القذافي . وتقوم طائرات الإستطلاع الأمريكية طراز " أواكس " بالتحليق قرب الأجواء الليبية، منذ عدة أيام ، وتتصل بشكل مباشر ببرج المراقبة الجوية في " مالطا " ، وتطلب منها رصد المسارات الجوية التي سلكتها طائرة القذافي الخاصة خلال الثماني والأربعين ساعة الأخيرة - كتلك التي توجهت فيها إلي الأردن ثم عادت إلي ليبيا منها قبل نهاية الأسبوع . ولا تعد عمليات " الأواكس " الأمريكية الجارية مشكلة لأمريكا، فحلف الناتو يمكنه أن يتقبلها - رسميا - كجزء من عملية " إنديفور " التي أقرها الحلف في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 ضد واشنطون ونيويورك ، وتسمح بتحليق طائرات استطلاع الدول الأعضاء بتوسيع نطاق أنشطتها في منطقة الشرق الأوسط ، في إطار ما تسميه بمكافحة الإرهاب . ويتم اقتسام المعلومات التي تتمكن طائرات الاستطلاع من تجميعها فيما بين دول الحلف بموجب هذه العملية والآن بدأ تطبيقها ضد القذافي بعد أن أُعيد إدراجه في قائمة الإرهاب ، بل واعتباره في الغرب " الإرهابي السوبر " . ولكن كل ما يفعله الناتو الآن هو فقط رصد الأهداف التي يمكن ضربها حال الاضطرار إلي القيام بعمل عسكري ضد القذافي . ويمكن القول إنه حتي إذا لبت السعودية الطلب الأمريكي ، وزودت ثوار ليبيا بالسلاح ، فلن يكون ممكنا بأي حال من الأحوال لإدارة أوباما أن توجه أي إدانة للمملكة حال ممارستها العنف ضد المتظاهرين الشيعة في الشمال الشرقي من البلاد.. وهكذا أصبحت الصحوة العربية ، والمطالبة بالديمقراطية في شمال إفريقيا، وثورة الشيعة وثورة الليبيين علي القذافي إشكالية لإدارة أوباما، يمكن أن تمخض عنها إعادة رسم خريطة الأولويات العسكرية الأمريكية في المنطقة.