خمسة عشر عاما فصلت بين بداية ظهور تجربة الزراعة بدون تربة في مصر، وبين التجربة الجديدة التي ينفذها حاليا الباحث أحمد توفيق بالمعمل المركزي للمناخ الزراعي للمزج بين زراعة الخضراوات بدون تربة والاستزراع السمكي، بحيث يفيد كل منهما الآخر. التجربة أسفرت عن نتائج متميزة، حيث يتم انتاج طنين من الأسماك و2.5 طن من الخضراوات كل شهرين، وذلك باستخدام 50 متر مكعب من المياه فقط، إلا أن تطبيقها لا يزال محدودا في مساحة ألف متر، بينما توجد في مصر مساحات شاسعة من الأراضي الصحراوية. وقد قامت أكاديمية البحث العلمي بتمويل التجربة ونفذها الباحث داخل المعمل المركزي للمناخ، علي مقربة من وزارة الزراعة، لتكون حجة علي مسئولي الوزارة، الذين تفصلهم أمتار عن تجربة عملية يمكن أن تنتج الخضراوات والأسماك، بكميات كبيرة، وبإمكانيات مائية قليلة، وفوق كل ذلك بمواصفات عالية جدا شكلا وطعما تؤهلها للتصدير. قبل أن يبدأ الباحث أحمد توفيق حديثه عن هذا النموذج الذي يجمع بين انتاج الخضراوات والاستزراع السمكي، يلفت انتباهنا المظهر الخارجي للخضراوات المنتجة، والتي تبدو غريبة علي العين،فلايوجد شبيه لها إلا في المراكز التجارية الكبيرة، وبأسعار تفوق نظيرتها العادية ثلاث مرات علي الأقل. الإبهار الذي يلحظه الباحث، يشجعه علي أن يطلعنا علي نتاج الشق الآخر من التجربة، وهو الاستزراع السمكي يمد شبكة في حوض مائي من بين ثلاثة أحواض كبيرة، خصصها للاستزراع السمكي، مثل الخضراوات تبدو «سمكة البلطي» التي ينتجها هذا النظام مختلفة تماما من حيث الشكل، فبياض لون لحمها يبدو واضحا، كما أن كمية اللحم بها تفوق نظيرتها التي يتم تربيتها في ظروف مختلفة. حالة الإبهار التي يخلقها شكل المنتجات، تخطف انتباهك وتركيزك، لتحاول أن تعرف من الباحث تفاصيل النموذج، الذي يأتي بها. ويشرح الباحث، وقد ظهر الحماس واضحا علي عينيه تفاصيل النموذج، والذي يتكون من ثلاث وحدات الأولي هي الأحواض التي تعتمد علي استخدام بيئات بديلة للتربة تطفو علي الماء، ويتم تفريغ تلك البيئات البديلة لتضم حاويات يوضع بها النبات، بحيث تكون جذوره في الماء، ويتم وضع مواد هي «البيتموس» أو «البرليت» وسط تلك الحاويات، بحيث تساعد علي الإمساك بالنبات. في الوحدة الثانية ترتبط تلك الأحواض، بثلاثة أحواض كبيرة للاستزراع السمكي، يربط بينها مواسير. وتتوسط المواسير الوحدة الثالثة لتربط بين أحواض الاستزراع السمكي ، واحواض الزراعة وخزان لحجز المواد العضوية. ويواصل الباحث شرح النموذج، قائلا: « توضع أحواض الاستزراع السمكي عند مستوي مرتفع، وتمر المياه بما فيها فضلات الأسماك إلي خزان يتم خلاله حجز الفضلات العضوية، باستثناء الأمونيا التي تذوب في الماء، لتذهب إلي النباتات، التي تستفيد منها، ثم تعود المياه بدون الأمونيا مره أخري إلي أحواض السمك، باستخدام موتور 1 حصان . وفوائد هذا النموذج، كما يوضح الباحث: « النبات يستفيد من الأسماك في حصوله علي الأمونيا، وهو سماد طبيعي يحتاجه، والأسماك تستفيد من النبات الذي ينقي المياه من الامونيا لان وجود هذا العنصر في المياه يؤدي إلي خنق السمك. الحديث عن مزايا هذا النموذج، يجبر الباحث أحمد توفيق في البداية إلي الإشارة عما يحدث في الاستزراع السمكي التقليدي و زراعة الخضراوات. يقول: « نحتاج في الاستزراع السمكي التقليدي إلي تغيير المياه كل ثلاثة أيام، للتخلص من الفضلات، والأمونيا التي تخنق السمك، لكن في هذا النظام تقوم النباتات بتنقية المياه، وإعادتها إلي أحواض السمك». وتقوم أغلب زراعات الخضراوات في مصر، كما يقول الباحث، علي مياه الصرف الزراعي، وهو ما يترك أثره علي شكل المنتج وسلامته من الناحية الصحية. ويضيف: « لكن في هذا النموذج، فإن المياه التي تصل للنبات آمنة تماما، ومزودة بعنصر الأمونيا الذي يحتاجه «. وتنعكس الاستفادة المتبادلة بين النبات والأسماك، علي الحصول علي منتج أفضل من مثيله من ناحية الكم والكيف، كما يؤكد الباحث. المقارنة من حيث الكيف، تبدو واضحة للعين، فالسمك إضافة إلي لون لحمه الأبيض، فإنه يبدو ممتلئا باللحم، كما يخطف لون الخضروات، العين، أما عن الكم، فقد أعد الباحث دراسة جدوي من خلال مساحة الألف متر التي نفذت عليها التجربة العملية. ويقول الباحث: « ينتج الفدان في مزارع السمك العادية من اثنين إلي 3 اطنان طن في السنة، ويحتاج إلي 4 آلاف متر مكعب مياه في الموسم الواحد، بينما ينتج النموذج علي مساحة ألف متر طنين من الاسماك كل شهرين، ويحتاج إلي 50 متر مكعب من المياه، وتوضع السمكة بحجم 70 جراما، وفي نهاية الشهرين يتراوح حجمها بين 250 و 300 جرام». وتبدو المقارنة في الخضراوات لصالح النموذج أيضا، ويضيف الباحث: « خلال شهرين يمكن انتاج 2.5 طن من الخضراوات». ويحتاج تصميم هذا النموذج إلي مبلغ 200 ألف جنيه، لتنفيذه علي مساحة ألف متر.ووفق الباحث، فإن هذا المبلغ يمكن استعادته خلال عام ونصف العام من بيع المنتج من الخضراوات والأسماك، حيث يباع انتاج السمك بعد شهرين ب 24 ألف جنيه، بينما يباع انتاج الخضراوات ب 17 ألف جنيه. هذا النموذج بما يحققه من مزايا كيفية وكمية، لفت انتباه القطاع الخاص، فنفذه الكثيرون من أصحاب الشركات الخاصة، كما أن بعض المطاعم الشهيرة تعاقدت مع الباحث علي شراء المنتجات، ولكن إلي الآن لم يلتفت لهذه الفكرة أحد من مسئولي الحكومة لمحاولة تطبيقها علي نطاق واسع. ويقول الباحث: « هذا النموذج يمكن تطبيقه في أي مكان بما فيها الأراضي الصحراوية، بما يجعله فكرة رائدة لسيناء أو حلايب وشلاتين، فكل ما احتاجه لتنفيذه هو مساحة خالية من الأرض».