عندما سمعت خبر استقالة الفريق أحمد شفيق من رئاسة الحكومة.. قلت لنفسي ربنا رحمه مما يتعرض له ومما هو قادم. تذكرت في هذه اللحظة تعليقي العفوي عندما أعلن قرار تكليفه بهذه الحكومة التي شاءت الاقدار أن تتولي المسئولية في مرحلة عصيبة وغاية في التعقيد.. ربنا يكون في عونه في مواجهة هذه »الورطة«. كنت أعتقد ومن خلال متابعتي لتجربته الناجحة في قيادة قطاع الطيران والمسبوقة بماضيه المشرف في خدمة قواتنا المسلحة واستبساله في حرب اكتوبر المجيدة وروح التحدي التي يتمتع بها أن في امكانه العبور بالوطن الي مرحلة الامن والاستقرار والتوافق القائم علي الانتماء لترابه والتطلع لنهوضه. ولكن الامور سارت علي عكس هذا الاعتقاد نتيجة تسارع الاحداث والضغوط التي تعرض لها عن غير حق والتي صاحبتها حالة من الخوف والهلع علي مستقبل هذا الوطن وانجازات ثورة شباب 52 يناير التي طالبت بالحرية والديمقراطية. هذا المناخ غير الصحي وغير المستقر كان طبيعيا أن يكون له هناك انعكاسات تجسدت معالمها في تضارب الاراء والمواقف. ووفقا لما صدر عن المجلس الاعلي للقوات المسلحة الذي يتولي مهام رئاسة الدولة وادارة شئونها. كان الهدف الذي حُدد لحكومة الفريق شفيق هو تسيير الاعمال والتمهيد لفترة محددة يتم خلالها اتخاذ الخطوات والاجراءات التي تتطلبها الاعداد للتغييرات الدستورية اللازمة. تركزت مهمتها منذ اللحظة الاولي في العمل علي استقرار الاوضاع وعودة الحياة الي مرافق الدولة وبالتالي اقتصادنا القومي الذي بدأ يترنح. أضيف الي اعبائها ايضا مسئولية مواجهة قضايا الفساد التي امتلأت بها صفحات الصحف وأروقة النيابة العامة وكذلك التصاعد المستمر لسقف المطالب سواء من جانب ميدان التحرير أو من جانب القوي السياسية المختلفة علاوة علي خوض المعارك للرد علي ما يتم اثارته من آراء في كل الاتجاهات. زاد الطين بلة.. استمرار الغياب الامني والذي بدأ بعد أحداث الصدام الدموي في ميدان التحرير مع المتظاهرين- المعروف بموقعة الجمل- ونزول قوات الجيش في اعقاب تداعيات ما حدث الي الشارع لانقاذ الوطن من حالة الضياع التي كان يمكن ان ينجرف اليها. كل هذه التطورات تحولت الي عوامل أدت الي انفكاك »الصماويل« التي تربط مقدرات هذا الوطن وهو ما سبق أن أشرت اليه في مقال من حوالي عشرة ايام. الحق يقال أن حكومة أحمد شفيق ووسط هذه الاحداث المتلاحقة لم تتح لها أي فرصة لاثبات وجودها حتي تقوم بمهامها للخروج من هذا المأزق العصيب. كل ما كان يحدث يدعو الي الشفقة علي مصر الوطن وعلي أحمد شفيق الذي كان عليه أن يحارب في جبهتين في وقت واحد: الجبهة الأولي هي انقاذ البلاد مما هي فيه من انفلات للأمن والاستقرار مستهدفا العبور الي التغييرات المأمولة.. والجبهة الثانية هي رد السهام والطعنات التي كانت توجه اليه بسوء نية أو حسن نية رغم ماضيه المشرف تتهمه ظلما بانه محسوب علي النظام السابق وانه قد حلف اليمين امام الرئيس السابق. في هذا الجانب تناسي الجميع أن الدولة كلها كانت في حوزة هذا النظام الحاكم للبلاد علي مدي ثلاثين عاما حتي لو قلنا أن ذلك كان باجراءات معيبة وغير سليمة تنتفي عنها سمة الاجراءات الديمقراطية الجانحة للسلوكيات والممارسات الاستبدادية وغير النزيهة. أمام كل هذه الفرص المحاصرة بالكمائن والالغام والمطبات دخلت الامور الي نفق مظلم ومجهول لم يجد الفريق شفيق امامه سوي أن يتخلي عن المسئولية بتقديم استقالته للمجلس الأعلي للقوات المسلحة الذي كلف الدكتور عصام شرف بهذه المسئولية الثقيلة. إن احدا لا ينكر نزاهة ومقدرة الدكتور شرف التي يجسدها النجاح والسمعة الطيبة التي حققها في فترة الشهور القليلة التي امضاها وزيرا للنقل في حكومة الدكتور نظيف التي حلفت اليمين أيضا امام النظام السابق. كل ما نرجوه ان يقدّره الله علي مواجهة ما تتعرض له مصر حاليا من أخطار. انه لن يمكنه القيام بهذه المهمة الثقيلة سوي بتعاون كل القوي التي يجب ان يكون رائدها التجرد والرغبة الحقيقية في العمل الوطني المخلص من اجل انقاذ مصر والمضي بها الي محطة الامن والاستقرار التي اصبح الوصول اليها.. الشغل الشاغل لكل ابنائها.