نحن علي موعد مع فصل جديد من الصراع الذي لا ينتهي بين الصناعة المصرية وبين مجموعة المستوردين الذين أصبحوا - واللهم لا حسد- يستوردون كل شيء.. بدءا من الكافيار والسيمون فيميه وحتي علبة الكبريت وشبشب زنوبة!! المعركة الجديدة مناسبتها هي قرار جديد للبنك المركزي يضع قواعد جديدة للاستيراد، ويلزم المستوردين بدفع 100٪ من قيمة الاعتماد المستندي بقيمة ما يستوردونه بدلا من 50٪ كما هو الحال الآن. وذلك فيما يخص السلع الكمالية والترفيهية مع بقاء المميزات الممنوحة لاستيراد السلع الغذائية الأساسية ومستلزمات الانتاج الصناعي والزراعي. القرار يستهدف تشجيع الصناعة المحلية، والحد من استيراد السلع غير الضرورية، والحفاظ -بقدر الامكان - علي ما لدينا من عملة صعبة، بعد أن بلغ قيمة ما نستورده أكثر من 70 مليار دولار في حين لا يزيد حجم التصدير عن 22 مليار دولار. وقد كانت السياحة وقناة السويس وتحويلات العاملين بالخارج تسد الجزء الأكبر من العجز، لكن قيمة الاستيراد ترتفع رغم انخفاض الأسعار في العالم (!!) والسياحة تمر بأزمتها التي نرجو أن تنتهي قريباً، والركود العالمي في التجارة يجعل احتفاظ قناة السويس بحجم ايراداتها الحالي انجازا، وتحويلات المصريين بالخارج تتأثر بانخفاض أسعار البترول من ناحية، وبسماسرة السوق السوداء الذين يتلاعبون بالأسعار ليجمعوا أموال المصريين للإضرار باقتصاد مصر ولتمويل الاستيراد المشبوه أو الممنوع!! ولا يبقي بعد ذلك إلا المعونات والقروض. وقد ساعدنا الاشقاء العرب في السعودية والامارات والكويت بما جعلنا نعبر الفترة الماضية الصعبة. وسيكون علينا أن ندير أمورنا جيدا دون أن نقع في بئر القروض الخارجية التي وصلت الآن إلي حوالي 50 مليار دولار. وأصبحت تمثل عبئا كبيرا علي اقتصادنا. ومع دخول البنك الدولي وغيره من المنظمات الدولية، فسيكون علينا أن ندفع الثمن في سياساتنا الاقتصادية والاجتماعية. من هنا فإن الحد من استيراد السلع غير الضرورية أمر لم يعد منه مفر. وكذلك السلع التي تنافس منتجاتنا الصناعية لرخص أسعارها المدعومة، أو بسبب التهريب وتزوير الفواتير وغير ذلك من الأساليب التي قضت علي صناعات أصيلة أو كادت، مثل صناعات الأحذية والموبيليا والملابس الجاهزة. وكالعادة.. عند كل قرار مثل قرار البنك المركزي، ستجد صراع المصالح التي نجحت قبل ذلك في الغاء قرارات عديدة أو الاطاحة بمن اصدروها!! وبينما ستجد ممثلي الصناعة المصرية يرحبون بكل قرار يفتح مصنعا ويخلق فرصة للعمل أمام شبابنا، ستجد - علي الجانب الآخر - من يقلب الدنيا لأن الشيكولاتة السويسرية سيزيد سعرها، أو لأن صناعة الملابس المصرية يمكن أن تسترد قدرتها علي المنافسة بعد أن ترتفع أسعار الملابس المستوردة. ويبقي الوجه الآخر لهذه السياسة، وهو تقديم كل عون ممكن للصناعة الوطنية، وتوجيه كل ما يمكن تدبيره من استثمارات عامة أو خاصة إلي الصناعة قبل أي شيء آخر. قلنا ذلك ألف مرة.. ولا مانع من أن نقول كمان!!