رأيت محمد العزبي مرات قليلة في الصالون الثقافي الذي يعقده الدكتور أحمد العزبي بين وقت وآخر. وفوجئت بحضوره وحيويته وحسدته علي ذلك - والحسد ورد في القرآن الكريم - وكان حسدي له أن الرجل في الرابعة والثمانين من العمر - أمد الله في عمره - ومع هذا يتصرف بروح شابة وقلب شاب وعقل شاب. ولم تعرف الشيخوخة طريقها إليه. أصدر محمد العزبي مؤخراً كتاباً عنوانه: الصحافة والحكم. ورغم العنوان الذي يحدد موضوع الكتاب. فالكتاب يمكن أن يكون مذكرات شخصية لمحمد العزبي. لأن ترتيب المقالات وتبويبها جعلها تبدو كما لو كانت أوراق يوميات مرتبة وفق ما حدث. ومحمد العزبي يشكر في إهدائه زميلنا الصحفي أيمن الحكيم. وابن العزبي سامح. علي الجهد الذي قاما به من أجل أن تبدو المقالات في تبويبها الجديد كما لو كانت مذكرات. يكتب الزميل سيد حسين رئيس تحرير كتاب الجمهورية في مقدمته بالكتاب: هل أراد الكاتب الصحفي الكبير محمد العزبي مؤلف هذا الكتاب: الصحافة والحكم أن يضحكنا أم يبكينا؟ لا هو أراد لنا الضحك. ولا منا البكاء. فما لهذا أو ذاك هدف. إنما أراد إيقاظ الوعي. فهذا كتاب يؤرخ للوطن والصحافة. أو الصحافة والوطن. فكلاهما جسد واحد. عرفت محمد العزبي أكثر من قراءة هذا الكتاب. فالرجل يبدو أنه تصالح مع العالم. وغسل نفسه من أدران الكراهية والحقد وتصفية الحسابات. يتعامل مع الجانب الجميل في كل البشر الذين يكتب عنهم. حتي لو لم يكن لهذا الجانب وجود في حياتهم. يعتبره موجوداً فيهم ويتعامل معهم علي هذا الأساس. وأعتقد أن هذا النوع من البشر الذي ينتمي إليه محمد العزبي يشغل نفسه طوال حياته بالبناء. ولذلك ليس لديه وقت لكي يحدق في الحفر والمطبات الموجودة داخل النفوس البشرية التي عاصرها. مفاجأة لي عندما عرفت أن محمد العزبي يعرف أكثر مما كنت أتصور. وأنه متابع جيد للصحف المصرية. يقرأها بعناية شديدة. ويحاول قراءة ما وراء السطور. ولا يكتفي بالمنطوق من الكلمات والأحرف. لكن تشغله الدلالات التي يمكن أن يصل إليها. يكفي أن نقرأ هذه الكلمات بالغة الدلالة. والتي ربما ترقي لمستوي الشعر. كما كتبها محمد العزبي في كتابه. أول من كتب اسمي بخط بارز في جريدة الجمهورية كان سعد الدين وهبة. أول من كتب اسمي علي الموضوع الرئيسي بالصفحة الأولي كان مصطفي بهجت بدوي. وأول من أعطاني فرصة كتابة عمود يومي كان إبراهيم نوار. وأول من أعطاني فرصة كتابة اليوميات علي الصفحة الأخيرة كان حلمي سلام. وآخرون كثيرون أكبر مني وأصغر مني كان لهم فضل كبير. وأحبهم. هذا الكتاب فيه حكايات الصحافة المصرية في نصف القرن الأخير بما جري فيها. ويبدو أن الذين كتبوا بعد دراسة الطب استفادوا كثيراً جداً من توقفهم أمام النفس البشرية في لحظات مرضها انطلاقاً من أرضية الطب. هكذا كان أنطون تشيكوف عبقري روسيا الذي أهدي البشرية فن القصة القصيرة. ولولاه ما كانت قد عرفته. وهكذا كان يوسف إدريس وصلاح حافظ. الأول درس الطب وتخرج وعمل طبيباً. والثاني لم يكمل دراسته للطب واتجه للصحافة. وكان لكل منهما أسلوبه النادر في الكتابة وروحه الجميلة في التعامل مع الناس. لا أريد أن أصخم من دراسة الطب في إعداد الكاتب. لكنها تلعب دوراً تجعل الإنسان في تعامله مع الإنسان ينطلق من أرضية الحنو والتعاطف والحب. في مقدمة رئيس التحرير، سيد حسين. يتوقف أمام ما كتبه الأستاذ هيكل في كتابه: بين الصحافة والسياسة: - علاقة الصحفي بالسلطة علاقة حيوية. فهي صانعة الأخبار. وهو يريد هذه الأخبار في نفس الوقت الذي تريد فيه كتمانها. أو علي الأقل تكييف نشرها. ثم إنه بالنسبة لها وسيلة للوصول إلي الجماهير. ولذلك فهي - السلطة - تفضلها أداة ومن ناحيته هو - الصحفي - فإن هناك منزلقاً أن يصبح مجرد سلك وبوق. علاقة مركبة بين طرفين. كلاهما يحتاج إلي الآخر. وكلاهما يحذر الآخر. الصحفي يريد الأخبار ويريد استقلاله. والسلطة تريد الوصول إلي الناس. ولا يهمها استقلاله. إلي أن يقول هيكل: - اقتراب الصحفي من السلطة واقتراب السلطة من الصحفي علاقة هي الأخري «مركبة». وعندما يقترب صحفي من صنع الأخبار إلي درجة كافية. فإنه شاء أو لم يشأ يصبح ويتحول أحياناً لدرجة موقعه إلي طرف في صنعها وليس ذلك مقصوراً علي مصر. بل إنه قاعدة حتي في أكثر البلاد تقدماً. هذا هو الخيط الرفيع الذي يدور حوله الكتاب المهم للكاتب الممتع والجميل محمد العزبي.