هل تقود ثورة 52 يناير في مصر إلي انقلاب في السياسة عِلماً وممارسة؟ قد لا تكون السابقة الأولي التي يكون فيها الاعلام في نسخته »الديچيتال« متصدراً مشهد التغيير العميق داخل مجتمع ما، فقد اسقطت المظاهرات التي شهدتها أسبانيا في 4002 عبر الرسائل الالكترونية الحكومة في مدريد، وتكرر ذات الموقف في جمهورية مولدافيا بعدها بخمس سنوات، ثم وصلت العدوي الثورية الرقمية إلي الوطن العربي، وكانت البداية في تونس، وما لبثت أن انتقلت إلي مصر، لكن ما حدث هنا كان يفوق خيال صناع الانترنت، وثماره من الفيس بوك، إلي يوتيوب وتويتر! إذ أن معطيات الواقع المصري مغايرة سواء في طبيعة التكوين السياسي أو الانتشار الأمني، فضلا عن المساحة وعدد السكان و.. و.. ولكن ما حدث كان متجاوزاً لكل الاطر والقوانين التي تحكم عملية التغيير المجتمعي الشامل، وصولا إلي عمق الثورة عبر كسر الحاجز بين الشبكات الاجتماعية الافتراضية وعالمها الوهمي، ثم الالتحام المثير بالواقع بكل تعقيداته، لاسيما ما يرتبط بالنظام السلطوي الاستبدادي، مقابل أحزاب عاجزة، ومجتمع يسيطر عليه الاحباط، وكان لممارسة الديمقراطية الشعبية عبر تطويع منتجات الاعلام الاجتماعي الجديد ايذانا بضرورة إعادة صياغة فصول عديدة في علم السياسة، وقوانين علم الاجتماع السياسي، بل وبعض جوانب العديد من العلوم الإنسانية. ثورة 52 يناير، والاصداء التي عكستها متجاوزة حدود مصر وجوارها العربي، إلي كافة ارجاء المعمورة، تفرض علي أهل السياسة علماء وخبراء وممارسين، اعادة تعريف مفهوم الحزب وآليات عمله، والعلاقات التفاعلية في النظام السياسي، وملامح الديمقراطية الشعبية في ظل الشبكات الاجتماعية الافتراضية، وإلي أي مدي يمكن بث الروح في الأفكار التي سادت أثينا منذ ما قبل الميلاد باعتبار الديمقراطية المباشرة، وحق كل فرد في المجتمع في تقرير شئونه هي الصورة المثلي التي يجب أن تكون عليها المجتمعات؟ اسقاط الحاجز بين العالم الافتراضي والواقع في ممارسة الحريات العامة والسياسية، علي غرار ما حدث في ثورة 52 يناير، يماثل إلي حد بعيد إلغاء لافتة »ممنوع الاقتراب والتصوير« من فوق أسوار المواقع العسكرية والمنشآت الحساسة في أي دولة، لأن هناك اقمارا اصطناعية لا تترك صغيرة أو كبيرة علي سطح الكرة الأرضية إلا وأحصتها، ليتم اعادة بثه عبر مواقع متخصصة في تقديم الخدمة لمن يدفع الثمن، بالمقابل فإن أي قوانين تفرضها أي سلطة بمنع الاجتماع أو التظاهر أو التجمهر سوف يجري انتهاكها الكترونيا، عبر الانترنت، تجهيزا لثورة أو انتفاضة جماهيرية من شأنها إحداث تغييرات جذرية علي بنية المجتمع. »ثورة 52 يناير« بعد ان نجحت في انجاز اهدافها، سوف تفرض اعادة النظر في العديد مما كان يمثل بديهيات ومسلمات في الممارسة السياسية، كما تفرض كذلك علي مُنظري علم السياسة بذل المزيد من الجهد لصياغة نظريات وقوانين تلائم العصر الرقمي الذي تجاوز الكثير من محددات السياسة الكلاسيكية عبر عشرات القرون!