كم كنا نحلم بتعديل مادة واحدة في الدستور أو مادتين علي الأكثر.. كم كنا نحلم بأن يتساقط علينا بعض من فتات الموائد كم كنا نحلم بأن تعاملنا أجهزة الدولة معاملة البشر لقد كانت أحلامنا صغيرة بقدر ما كنا نشعر به من القهر والذل والخوف وكان ذلك الحلم الصغير يواجه دائما بالأمن تارة والتجاهل تارة أخري.. كنا جميعا نعرف ما يدور من فساد وإفساد ومن ضلال وإضلال ومن كذب ليس له حدود ولكننا جميعا توافقنا وتعايشنا مع ذلك إما رغبا بالقبض والرضي أو رهبا أي خوفا من المواجهة كنا نأكل فسادا ونشرب فسادا ونتنفس فسادا ونتعايش مع الفساد.. حتي جاء شباب برئ نقي لم تلوثه الرشوة ولم ينتابه الخوف من أجهزة أمن الدولة وخرج ببراءة ترعاه عناية المولي عز وجل وصمد يومه الأول لاصناف التخويف التي مورست ضده وبدأ الخوف يتساقط وبدأت طوائف أخري تخرج علي استحياء ونهضت الجماعات والأحزاب وبدأ اليأس ينفض عن قلوب العامة والأغلبية الصامتة فخرجت الجماهير في جمعة الغضب بعد استشهاد الشباب لتعلن مطالبها باسقاط النظام وتحول حلم تعديل مادة أو مادتين من الدستور إلي تغيير الدستور بالكامل وتحولت مطالب تنفيذ أحكام بطلان أعضاء بمجلس الشعب إلي حل مجلسي الشعب والشوري والاعلان عن بداية عهد جديد لتشهد مصر ثورة شعبية استهتر بها النظام بينما صنفها البعض في الخارج علي أنها من أقوي الثورات الشعبية في تاريخ البشرية.. ولم لا والشباب المتظاهر كان في غاية التحضر والالتزام والنظام وتميزت مظاهراته بالسلم التام.. كما كشفت الثورة عن الوجه الحقيقي لمصر التسامح والحرية حيث اختلط دم الشهداء من المسلمين والمسيحيين ووقف الشباب المسيحي في ميدان التحرير يحرس المسلمين وهم يؤدون الصلاة ووقف المسلمون يؤازرون المسيحيين وهم يقيمون قداس الأحد ويشعلون الشموع معا في ذكري الأربعين لشهداء كنيسة القديسين. يا حبيبتي يا مصر سامحيني يا أمي لقد جعلوني أكفر بك وأسئ الظن ولكن شبابك الجميل جعلني أندم علي ذلك.