لماذا اختفت الشرطة من الشارع المصري.. ثم عادت بعد غياب العادلي.. هل كان لهذا الرجل يد في اختفائها.. أم أنها هي التي أعلنت العصيان المدني بعد ان التحمت مع ثورة الشباب لتعطي لقياداتها درسا بانسحابها من الشارع. هذا السؤال طرحته علي نفسي أكثر من مرة وربما تكون إجابة المسئول الأمني الكبير علي سؤال قبل هذه الاحداث هي التي تساعدني في الوصول للاجابة عن هذا السؤال.. فأنا أذكر انه منذ ثورة رجال القضاء علي النظام ووقفتهم الاحتجاجية في دار القضاء العالي وقيام الشرطة بالتصدي لهم.. طرح سؤال علي المسئول الامني الكبير.. وماذا بعد ظاهرة التظاهرات والاحتجاجات.. وإلقاء الحمل كله ومشاكل النظام علي قوات الأمن.. هل تضمنون عدم انضمام رجال الامن المركزي للتظاهرات يوم أن يحدث عصيان مدني. قال لي هذا المسئول الأمني نحن لا نضمن لأن رجال الامن المركزي هم شريحة من المواطنين وما من مجند الا وتجد أسرته تعاني مما تعانيه الأسرة المصرية.. ولذلك سيكون أفراد الأمن المركزي هم أول المتضامنين مع العصيان المدني. كلام هذا المسئول أعاد الي ذاكرتي هذا التصور.. وعندما حدثت ثورة الشباب في الشارع المصري.. واندفعت قوات الامن المركزي والتي يطلق عليها قوات التصدي للشغب.. لم تتوقع قياداتهم حجم الثورة.. صحيح أنهم نفذوا التعليمات وأطلقوا ما عنده من رصاصات مطاطية.. وعبوات الدخان المسيلة للدموع.. لكن في النهاية خلع الألوف منهم ملابسهم العسكرية وانضموا الي المتظاهرين.. وكان انضمام الشرطة للمتظاهرين هو بداية تفكيك وغياب جهاز الامن وغياب الامن من الشوارع حتي حدثت الثغرة الامنية. وربما كان هذا هو السبب الرئيسي في قرار القيادة الجديدة في تحديد اقامة وزير الداخلية بعد اختيار وزير جديد كان علما في الامن الجنائي.. لقد عرفنا اللواء محمود وجدي في عصر حسن الألفي وهو واحد من مجموعته المخلصين.. وكون أن يخرج وهو مساعد لوزير الداخلية فقد سلم من »الزنب« رغم ان العين كانت عليه ليخرج ضمن المجموعة التي تمت تصفيتها بعد خروج حسن الالفي.. لكن لأن »وجدي« لم تكن له شللية ولا يعرف إلا عمله فقد تركوه يتقلد مواقع كثيرة بعد ان أبعدوه عن المواقع التي يصبح فيها نجما شعبيا.. ولذلك تجد آخر المواقع التي شغلها في عصر »العادلي« مساعدا لوزير الداخلية ورئيسا لقطاع السجون.. ثم خرج الي المعاش.. ليعود الي جهاز الشرطة ويصبح هو الوزير.. إن سعادتي الان لا تقدر بأي ثمن بعد عودة الامن الي الشارع المصري.. فقد أن الآوان أن أترك بيتي الي عملي وأنا مطمئن علي عرضي ولحمي بأنهم في حماية الشرطة بعد ان عادت إلينا.. فقد كان غيابهم عن الشارع يمثل رعبا لكل بيت حتي وصل برب الاسرة أنه لم يعد قلقا علي لقمة عيشه بقدر قلقه علي بيته. ولكي أكون أمينا.. لقد أحدث غياب الشرطة شرخا في نفوس الصغار قبل الكبار.. إن حالة الرعب التي أصابت أطفالنا لن تختفي بسهولة من ذاكرتهم.. الطفولة البريئة التي شهدت غياب الأب عنهم ليلا ليشترك في اللجان الشعبية تحت شعار »احمي بيتك« لن يغفر أطفالنا للقيادات التي كانت سببا في اختفاء الأمن من الشارع المصري.. تصوروا مثلا كيف كانت مشاعر الطفل الصغير وهو يري والده يسحب »شومة« أو سلاحا لينزل به الي الشارع ليلا ليحمي بيته وعرضه.. وتصوروا حالته الان بعد أن ينام هذا الأب في بيته ويحتضن طفله.. هل يسترد ما فقده من استقرار نفسي، هل نضمن أن يعود الي طبيعته، لقد خطفنا منه براءة الطفولة بالرعب الذي أصابه.. نحن نحتاج الي سنوات لنعيد اليه الطمأنينة التي انتزعت من وجدانه. لذلك أقول مدوا أيديكم لرجال الشرطة في مصالحة مع النفس.. هم رفعوا شعار الشرطة في خدمة الشعب »وعلينا ان نرفع لهم شعار« اهلا وسهلا في دياركم.. أموالنا وأعراضنا في حمايتكم«. أعتقد ان زمن الغطرسة قد انتهي.. يوم أن كان بعضنا يعامل عساكر الأمن المركزي أو عساكر المرور »بالعنجهية« وكأنهم خدم عندنا.. كان بعض الاشخاص الذين أعطاهم الله من مال ومراكز يطلون علي هؤلاء الغلابة باستعلاء وكبرياء.. فقد كنت أري ظاهرة الاستعلاء في اشارات المرور قبل ان تصبح اليكترونية.. فأري من يخرج رأسه من السيارة المرسيدس ليصب غضبه علي عسكري المرور لمجرد أنه لم يفتح لسعادته الطريق.. وكان النظام السياسي يستخدم جنود الامن المركزي ورجال الحراسات كالصخرة في المواكب الرسمية وغير الرسمية.. يقفون بالساعات الطويلة في الشوارع قبل ان يتحرك الموكب الرسمي.. فقد كان وقوفهم في الشارع المصري علي طريقة »خلف خلاف« واحد وجهه للموكب وآخر للشارع يتنافي مع حقوق الانسان.. ولا أعرف لماذا كنا نتعامل مع جنود الامن المركزي كالقطيع.. نحشرهم داخل اللوريات بالساعات الطويلة وهم يبحثون عن طاقة نور أو »فاتحة« يتنفسون منها.. وقياداتهم تطالبهم أن يكونوا علي أهبة الاستعداد لمواجهة التظاهرات.. للأسف هذه القيادات لا تعرف حالة الترهل التي تصيبهم من الانتظار الطويل داخل اللوريات وهم فوق بعضهم.. فيخرجون الي التظاهرات »يفشوا غلهم« وهمجيتهم.. وهذا هو الذي حدث منذ أحداث 52 يناير.. الآن مطلوب منا أن نعلن احترامنا لرجال الشرطة.. حتي تكون لهم هيبة في الشارع المصري.. المهم ان نصالحهم ونحني رؤوسنا لرسالتهم ضمانا لأمن هذا البلد..