كان من الممكن والمنتظر بعد خطاب الرئيس مبارك التاريخي الذي استجاب فيه لإرادة شباب 52 يناير، ان تبدأ الأمور في العودة إلي التهدئة وبدء حوار في مناخ أكثر هدوءا، بعد ان حصل الشباب في أسبوع علي ما عجزت الأحزاب وكل القوي والتيارات السياسية عن الوصول إليه طوال عقود من الزمن! ما حدث ليس أزمة تجميع شباب غاضب في ميدان التحرير، إنما يعني ان هناك أزمة سياسية، والأزمات السياسية لا تحل بالخيل والجمال والحمير، انما تحل بقادة سياسيين يتحملون مسئولية الحدث، والتغيير الذي حدث لا رجعة فيه. وأيا كان المنظر علي الاحتكاك الميداني فان الأساس ان دماء المصريين معصومة، وأي اعتداء علي دماء المصريين لابد ان يعقبه حساب عسير للمسئول ايا كان، لقد انتهي عصر الحكومة الرخوة، وبدأ عصر الرجال ونحن علي وشك ان نعلن فجرا جديدا للاصلاح في مصر، ما حدث في واقعة الجمال والخيل بالتحرير ادخل الشك في نفوس الشباب في إمكانية اتمام الإصلاحات، مما عقد الموقف وتطلب الضمانات وأخر عملية التهدئة والإجلاء!! ولكن الرئيس مبارك عندما اختار وكلف عمر سليمان نائبا لرئيس الجمهورية كان يضع الضمانة الكاملة لتنفيذ الاصلاح، فنائب رئيس الجمهورية وجه وطني يحظي بثقة الجميع وعلي رأسهم رئيس الجمهورية، فسليمان وجه لم يلوثه البيزنس ولم يزور إرادة الشعب ولم يضع يده في مال حرام، هذا ما نعلمه وما شهدنا إلا بما علمنا فان كان وأحد يملك شيئا ضده فليأتنا به، وليكن سليمان هذا الرجل هو مخرجنا من هذه الأزمة الدستورية الخانقة التي صنعها ما يسمون برجال الأعمال الذين أكلوا الأخضر ونهبوا اليابس ووضعونا علي حافة الهاوية ثم طاروا وطارت أموالهم بعد ان ألقوا الفتات لبلطجية وحثالة ورعاع يضربون أبناءنا ويعتدون علينا ويدفعون بالأزمة السياسية إلي السقوط في الهاوية بعد ان أوصلونا إلي حافتها. لم يكن سليمان من هؤلاء.. ولم يكن راضيا علي ما أعلم عن تصرفاتهم لكنه كرجل مسئول منضبط كان يتحرك وفق الصلاحيات التي تتيحها له وظيفته وقد تحرك الرجل بأمانة ومهنية عالية وهذا ما نطلبه في هذه المرحلة، رجل يتحرك في حدوده المهنية بنزاهة واستقامة، فهو ابن القوات المسلحة وشارك في العديد من الحروب التي خاضتها وآخرها حرب أكتوبر المجيدة، واختاره الرئيس مبارك لرئاسة المخابرات الحربية ثم رئيسا للمخابرات العامة وتولي العديد من الملفات الساخنة والمهمة الخاصة بالسياسة الخارجية كانت له فيها بصمات واضحة وقد حذر واعترض علي بعض الأمور وعلي ترشيح العديد من الشخصيات العامة وعدم ترشيح البعض للبرلمان ولم يستجب له.. وعلي علم بكل ما يدور داخل مصر، كما ظهر في أول حوار تليفزيوني له مدي إلمامه بكل الأمور الداخلية والخارجية وكل صغيرة وكبيرة، علي الرغم من انه يعمل بعيدا عن أضواء الاعلام. وأمام وضعنا السياسي فان رئيس الجمهورية أعلن عن عدم ترشحه لكي يفسح للديمقراطية التي اختارها شبابنا وباركها شيخونا فإننا نحتاج تعديلا دستوريا والتعديل الدستوري لا يمر إلا من بوابة مجلس الشعب، ومجلس الشعب مطعون علي أكثر اعضائه ومن أتانا بهذا المجلس ولعب باصابعه فيه وخلق هذه المهزلة، هو الآن موقوف ومتحفظ عليه ومتحفظ علي أملاكه وأمره بين يدي القضاء لمعرفة من أين أتي بهذه الأموال وكيف أنفقها علي افساد حياتنا السياسية، ذلك تعقيد يضعنا في سباق مع الزمن لاننا أولا علينا ان نأتي بمجلس يمثل الشعب تمثيلا صحيحا وديمقراطيا، ثانيا علي هذا المجلس ان ينتظر تعديلا، دستوريا عاجلا يفسح الطريق أمام الاصلح من هذه الأمة كي يتولي قيادتنا.. ثالثا: بعد هذا التعديل علي كل من يتقدم لرئاسة الجمهورية ان يطرح برنامجه السياسي وان يتاح له وقت معقول لكي يوازن الشعب بين البرامج موازنة سياسية بعيدة عن الرشاوي الانتخابية وعن الافساد الذي اشاعه المال الحرام في ربوع هذا البلد. هذه الأجندة تحتاج وقتا طويلا ولم يبق في ولاية الرئيس مبارك الا مائتا يوم تتناقص مع كل صباح. نحن اذن في سباق مع الزمن وليس امامنا وقت كي نهدره فليكن عمر سليمان بما عرف عنه من استقامة ونزاهة ضامنا لهذه المرحلة الانتقالية، فالرئيس مبارك وقد تكاثرت عليه الاحداث والاعباء والمسئوليات التاريخية لا اعتقد في انه سوف يمانع في توسيع صلاحيات نائبه فقد زهد في السلطة كما صرح لوكالة »إيه بي سي« فلتكن أجندتنا الآن ان يتم تفويض صريح وعلني لا يقبل الشك أو المراجعة من السيد رئيس الجمهورية إلي نائبه لكي يعبر بنا هذه المرحلة الحاسمة، وبذلك نعطي الرئيس مبارك حقه في راحة يستحقها ونعطي لنائبه صلاحيات مشروطة يشهد عليها شعبنا ويشهد عليها العالم اجمع بأنه ملتزم من الناحية الوطنية والتفويضية ان ينقي مجلس الشعب مما علق به من أعضاء لا يستحقون شرف تمثيل هذا الشعب وان يدعو المجلس لهذا التعديل الدستوري المأمول وان يفسح الطريق أمام الكفاءات المصرية الوطنية لكي تتقدم ببرامجها السياسية وتطرحها علي شعبنا الذي أثبت نضجا ومسئولية نالت احترام العالم واعجابه بعدها تستقيم لنا حياة دستورية سوف تصير مثلا يحتذي في ربوع آسيا وافريقيا ولتكن مصر رائدة دوما كما كانت. في هذه الاثناء فان ملفات الفساد التي فتحت يجب علينا ان نعطيها أعلي درجة من الجدية حتي ننقي ثوبنا الوطني من الدنس، فنراجع معا الثروات التي نبتت وتضخمت دون ان تضيف شيئا لاقتصادنا القومي بل خلقت الأزمات لكي ت1ستفيد منها، وذلك في تقديري مخرج من الأزمة سوف ينهي أي سباق انتهازي يحاول ان يركب الموجة في ظل حالة الفوران الشديدة التي تتفاعل في المجتمع المصري. نقطة أخري أود الاشارة إليها وهي الاحزاب وقادة الاحزاب- الذين يطلق عليهم المعارضة- الذين يحاولون البحث عن دور سياسي وليس لاحدهم ان يزعم انه كان وراء هذه الاحداث وأنه قادر علي صرف المارد الذي انطلق من قمقمه. ان سلطة الشعب هي أعظم السلطات وان حركة التاريخ لا يمكن معاندتها، وان الشعب المصري حي لمن اعتقد انه قد اصابته الشيخوخة وان كان دائما قادرا علي ان يمسك بزمام التاريخ وان يمنح بركاته النضالية لكل الشعوب.. فقط نريد الهدوء حتي يستمر التغيير.