كان وليد جنبلاط حتي الأمس القريب جداً أكثر الأصوات تأييداً لفريق 14أذار الذي تشكل في أعقاب اغتيال رئيس الحكومة الأسبق: رفيق الحريري. كان »جنبلاط« متطرفاً في هجومه علي سوريا ونظامها، وأكثرهم سعادة بإنهاء الهيمنة السورية علي لبنان التي استمرت ثلاثة عقود متصلة. وكان مباركاً للمقاومة اللبنانية ضد العدو الإسرائيلي، لكنه طالب الجيش، في الوقت نفسه، بأن يتحمّل المسئولية الكاملة في حماية البلاد من أعدائها علي أن تتفرغ الأحزاب في إشارة واضحة إلي حزب حسن نصرالله للعمل السياسي والاجتماعي. الأهم من هذه المواقف البطولية كلها، كان وليد جنبلاط لا يكل ولا يمل من تكرار دعمه للمحكمة الدولية التي شكلها المجتمع الدولي بالإجماع للتحقيق في الجريمة الإرهابية البشعة التي راح ضحيتها رفيق الحريري وعشرات ممن كانوا معه أو بالقرب من سيارته في مارس2005 والتوصل إلي مرتكبيها ومخططيها ومموليها لتقديمهم إلي أيدي العدالة. استمرت مواقف »جنبلاط« علي حالها خلال سنوات عديدة تالية حتي صيف 2010الماضي. وقتها.. تسربت معلومات عن توافر أدلة كافية علي تورط »حزب حسن نصرالله« في هذه الجريمة، من جهة، و بأوامر مباشرة من المرشد الأعلي للثورة الإيرانية:علي خامئني. نشرت صحف عالمية أبرزها مجلة:»دير شبيجل« الألمانية تفاصيل هذه المعلومات، وأن المحكمة الدولية تستعد للكشف عنها وتحديد أسماء المتورطين فيها والمخططين. وعلي الفور.. ندد حسن نصرالله بهذه الاتهامات، وبالمحكمة الدولية التي اتهمها بدوره بأنها »مسيسة« لحساب الصهاينة والولايات المتحدة. كما هدد المرة بعد الأخري بقطع أي يد يوجهها صاحبها ناحية أي عضو في المقاومة التي حققت كما يقول أول نصر عسكري عربي في تاريخ الصراع العربي/الإسرائيلي! حاول رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري طمأنة نصرالله، ومطالبته بالانتظار إلي حين انتهاء المحكمة الدولية من تحقيقاتها وتقديم قراراتها المفروض أنها مازالت سرية ولا يعرفها أحد حتي الآن. وتمت زيارات ودية عديدة بين الزعيمين استخدمت صورها في طمأنة اللبنانيين علي استمرار التضامن والتوافق بين الحكومة وحزب نصرالله، وعزمهما علي التصدي لكل محاولات زرع الفتنة. ولم يكتف »نصرالله« بذلك وإنما طالب »الحريري« بإلغاء الارتباط مع المحكمة الدولية، وعدم الاعتراف بها أو بقراراتها الظنية المنتظر إعلانها.. وهو ما رفضه الحريري لأن ما يطلبه حسن نصرالله منه ببساطة متناهية هو إغلاق ملف اغتيال أبيه نهائياً لعدم التوصل إلي مرتكبيها المجهولين.. كما حدث مع العديد من السياسيين اللبنانيين الذين قام »مجهولون« بتصفيتهم الواحد بعد الآخر! تمسك سعد الحريري بالمحكمة الدولية حتي لا يضيع دم أبيه هدراً، كلفه إسقاط حكومته بعد استقالة العديد من الوزراء الممثلين لحزب الله وباقي جبهته من الدروز والشيعة وممثل الرئيس اللبناني الحالي! المهم أن وليد جنبلاط سحب مواقفه البطولية كلها، وتصالح مع سوريا، وحظي بعد صعوبة شديدة بلقاء مع الرئيس بشار الأسد، ولقاءات أخري مع حسن نصرالله، أثمرت أخيراً عن موقفه الأخير والحالي برفض ترشيح سعد الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة، واختيار نجيب ميقاتي الذي تعهد بفك الارتباط مع المحكمة الدولية كأولي مهام حكومته! المتعاطفون مع وليد جنبلاط أرجعوا انسحابه من فريق14أذار وتنكره لحليفه السابق الحريري إلي الضغوط التي مورست عليه من المرعوبين من المحكمة الدولية. وقالوا إن الرجل لم يستطع الصمود أمام التهديدات حفاظاً علي حياته، وحياة ابنه معه. وهو مبرر يمكن قبوله إنسانياً علي الأقل مما اضطره للتخلي عن مبادئه ومواقفه بالجملة والقطاعي. إبراهيم سعده [email protected]