عزيزي الموت.. صباح الخير.. وكل سنة وانت طيب.. كيف حالك يا عزيزي ؟؟ أري أنك بخير، كلما تقابلنا معاً في مكان ما، أو مناسبة مشتركة، تبتسم لي وتلوح من بعيد، وكأنك تذكّرني بأنك مقبل في لحظة ما لتحتضنني، وتأخذني معك إلي رحلتي الأخيرة التي لم يحن موعدها بعد. كنت تلقي عليّ السلام، وتوليني ظهرك، حتي حين، وأتابعك في ذهول وخوف.. وألم. تصطحب معك الأحباب والأنقياء والمخلصين، وتترك معنا هؤلاء الذين نسأل: لماذا لم يموتوا بعد؟؟ لماذا لم تأخذهم معك وتترك لنا من نحب؟؟ أنت تترك فقط بصماتك في المكان، حين تنفذ مهمتك القدرية، فلا يبقي من أثرها سوي صراخ وحزن، نظن دائماً أنه لن ينتهي، لكنه، لرحمة الله بنا، ينتهي، رغماً عنك. منذ فترة، يا عزيزي الموت، وأنا لا أفهمك، وأشعر أنك تلهو معي. منذ فترة تقترب فجأة حتي التماس، فأراك، وأشعر بأنفاسك، وأستعد للحظتي الأخيرة، ثم تبتعد وأنت تضحك، ربما بسخرية، ربما بشماتة، ربما بفرح، لكن الأكيد أنك تضحك. أنا أعرف أن نفسي ستذوقك، وأنك ستدركني ولو كنتُ في بروج مشيدة. لكن.. لماذا لا تفعل ذلك بشياكة، وجنتلة؟ أنا أعرف أنني يجب ألا أطلب ذلك منك، فأنت مجرد منفذ، لكني أثق في رحمة ربي، وأدعوه بحسن الخاتمة، إلا أنني أراك مع الآخرين، مباغتاً، قاسياً، أو متسللاً في بطء مقيت، وكأنك تسعد بما تفعله، والكل ينظر إليك وأنت تقترب، ولا أحد منا يستطيع منعك، ولا أحد يستطيع أن يؤجل موعدك قليلاً. لكن لنتفق علي شيء، لأنك أصبحت دائم اللهو معي، ومع أحبابي، في الأيام الأخيرة.. لنتفق علي شيء أحببت أن أشارك فيه الجميع معي لكي يشهدوا علي ذلك.. أنا لا أخافك، ولا أمقتك، وأعرف أنك عصيّ علي الترويض، لكنني بالفعل لم أعد أخشاك. أعرف أن أجلي بيد الله، وأنه -سبحانه- لن يضيع أحبابي من بعدي، فالحياة دائماً تستمر، وأحزن فقط لأنني سأكون سبباً في بكاء أو ألم لكثير منهم.. لكن لا أخافك.. أنت طريقي للقاء الله، وأنا أحب لقاء الله، ومن أحب الله أحب الله لقاءه. يا موت.. فقط.. لا تأتِ من الخلف. ولا تلهُ مع من أحب بهذه الطريقة. ولا تطعنّي -أرجوك- من الخلف، فأنا مثل أوسكار وايلد أري أن الصديق الوفي هو ذلك الذي يطعنك من الأمام، وسأكون سعيداً إذا كنت صديقاً وفياً. لن أطلب أن تمهلني وقتاً لأستعد، فاللي ذاكر ذاكر، واللي استعد استعد، وربنا عند ظن عبده به، وأنا ظني بالله خير، كما أنني، وفي وقت ما، أعرف أنك يا موت.. ستموت، ولن يعود لك وجود، وسنحيا بدونك يوم لا ظل إلا ظل الله عز وجل. يا موت.. حين مات رسول الله صلي الله عليه وسلم، مات في حضن حبيبته، فمرحباً بك في وقت كهذا أموت فيه بين يدي من أحب، ومرحباً بك وأنا ساجد أصلي لربي، ومرحباً بك في لحظة سعادة وفخر، ومرحباً بك وأنا في أتم صحة، ولتبتعد حين تراني مريضاً، فليس من النبل أن تأتيني لحظة ضعفي. تعال يا موت وقت الشهادة، ولا تأتِ وقت البلادة. تعال في لحظة عيد، ولا تأتِ في مصيبة الآخرين، لتجعلهم أشد حزناً علي ما فات، ولتكفّ عما تتركه لهم من ألم. يا موت.. لا تظن أن روحي ملكك، بل هي ملك ربي، ومن أحب، وأنت - فقط - تقبضها، لكنك لا تأخذها، فستبقي ملك ربي، ومن أحب.. يا موت.. لماذا لا تدعني أموت حباً وعشقاً وإخلاصاً بدلاً من أن أموت ضعفاً وهواناً ؟؟ هل هذه أصول الصداقة ؟؟ لماذا تصر علي أن تميتني في حياتي آلاف المرات، قبل أن تجئ ؟؟ أين بهاؤك وجلالك الذي كنا نسمع عنه ؟؟ تعرف أن حزني علي من أحب أكثر قسوة منك أنت شخصياً، فتأخذ أغلب من أحبهم، فمتي تفهم أنني وكل الذين أحبهم سنذهب، كما ستذهب أنت أيضاً. يا موت.. عشرتنا طويلة، وعمرك قصير بالنسبة للخالق عز وجل، فكن ودوداً معي ومع أحبتي، ولا تكن حقاً نكرهه، بل مصيراً ننتظره بإيمان. هذه رسالة أولي إليك، ولا أعتقد أنها ستكون الأخيرة، فانتظر غيرها، وفكر فيما كتبته لك. قبل أن تموت أنت أيضاً، فحتي أنت يا موت.. ستموت. والسلام.. ختام