عندما انتقل الخال الأبنودي إلي الأبدية أصدر الجيش بيانا بليغا يرثيه فيه، لو علم به الخال أثناء سعيه لأضاء وجهه واهتز سرورا، لا أخفي أنني قلت لنفسي : لو أن الجيش أصدر بيانا يودعني فيه عندما تحيق لحظة انتقالي وتمام غيابي، فهذا أرفع تقدير وأثمن ما يمكن أن أتركه لابنائي وأسرتي بعد الستر، يكفي أن يخرج الانسان من طور إلي طور. طور عاشه وطور يجهله بمثل هذا التقدير، جيوش العالم لا ترثي الأدباء والفنانين عادة، وحده الجيش المصري الذي أسس لهذا التقليد، وفي بدء انتقاله تحرك نجيب محفوظ محمولا علي عربة مدفع تماما مثل الشهداء العظام، الجيش المصري مؤسسة حضارية، جيش لم يحارب قط إلا دفاعا عن وطنه . حتي المرات النادرة التي خرج فيها للحرب بعيدا عن الحدود المقدسة لمصر القديمة كانت من أجل حماية هذه الحدود. عرفت الجيش عبر تاريخه الطويل المدون مما تسير لي من مراجع، وعرفته من خلال المعايشة المباشرة اثناء حرب الاستنزاف وأكتوبر، وجندت قلمي لإبقاء ذكري شهدائه العظام بدءا من تقاريري في الاخبار وصحف الدار، وصدور كتابي «المصريون والحرب» عام 1974، وروايتي «الرفاعي» ومجموعتين من القصص. ومع بلوغي السبعين فجأني اللواء محسن عبدالنبي مدير الشئون المعنوية بتهنئة بليغة رفيعة المستوي باسم الجيش، أحمد الله أنني قرأت ذلك التقدير الرفيع جدا اثناء سعيي في الحياة وفيما يلي نصه الكامل. إلي جمال الغيطاني الأديب والروائي والكاتب المبدع نهنئكم بميلادكم السعيد.. نهنئ رائداً من رواد الرواية العربية، حارسا من حراس الثقافة الوطنية، ومحاربا في ميدان أدب الحرب، فقد قرأناك جنديا علي جبهة القتال يحارب بقلمه وواحدا من أوائل المراسلين العسكريين.. نحتفل بحفاوة بالغة مع جموع المصريين ومثقفيهم بميلادك السعيد داعين الله لك بالعمر المديد إثراء واتساعا لثقافتنا الوطنية.. ننتهز هذه الفرصة لنبدي إعجابنا وتقديرنا لإبداعاتكم الأدبية التي اقتربت من ال 25 مؤلفا خلقت عالما روائيا بديعا، ومئات المقالات التي أنارت لعقول قرائك دروب المعرفة ومهدت مسارب السعي للحقيقة فكنت كمؤلفاتك وجملك ومفرداتك فذا في الولوج إلي البيئة المصرية تاريخا وواقعا بأدبك المتنوع ما بين أدبيات الحرب والرحلة والرسالة والسيرة.. فأثريت الوجدان ب «التجليات» وأنرت العقول ب «الزيني بركات» وأنصفت «الغريب».. فكانت أسفارك خلطا من الاصالة العميقة والحداثة الواعية، كما كانت سلسلة الجيش المصري التي أضفت حيوية متجددة للمحيط الثقافي، وخلقت حضورا استثنائيا في وجدان المصريين.. ندعو الله القدير أن يمتعنا دائما بإبداعاتك ويمد قلمك بمداد من عنده.. كل عام وأنت بخير. التوقيع لواء / محسن محمود علي عبدالنبي مدير إدارة الشئون المعنوية