عزيزي القارئ مازلنا مع مجموعة المعارض الخاصة الموازية للافتتاح التاريخي للمتحف، تناولت في المقالات السابقة فنانين من الخمسة الذين كرموا بهذه المناسبة لدورهم المؤثر في الحركة الفنية العربية، اليوم أقدم الفنان المغربي »فريد بلكاهية« الذي يعد من رواد الحركة الفنية المغربية، وهو من مواليد 4391 بمراكش ويعمل في نفس المدينة الجميلة، 5591 سافر إلي باريس للدراسة والتحق بمدرسة الفنون الجميلة، لم يتوقع أن يكتشف بأن هذه المدرسة متزمتة مع تقاليدها بل شعر أيضاً بالخيبة لكونها كذلك.. وما حدث كان عكس ما عرفه عن باريس قبل سفره مدينة النور والفن والإبداع، وبناء علي ذلك ترك باريس باحثاً عن فضاء أكثر سعة وحرية فتوجه عام 9591 إلي براج رغبة في أن يعيش تجربة »فنان العالم الثالث« قبل أن يعود إلي المغرب، وكان يري دائماً الثورة في البلاد الحرة، 2691 تولي فريد منصب مدير أكاديمية الفنون في الدارالبيضاء بعد استقلال المغرب.. واستمر حتي عام 4791، قدم فريد بلكاهية في معرضه عملاً نحتياً كبيراً بجانب الأعمال ذات البعدين، تحت عنوان »باب اللانهاية« ويقول عنه »يتجسد في هذه المنحوتة مفهوم اللانهاية في بعديه: الكبير إلي مالانهاية والصغير إلي مالانهاية وذلك علي الجانبين، أعمل منذ سنوات عديدة علي هذا الموضوع الفكري، يمثل الكبير إلي مالانهاية ما يخص السماء والكون، أما الصغير إلي مالانهاية فهو ما يخص الإنسان والأرض«، جدير بالذكر بأن كل فنان من الخمسة المكرمين أبدع عملاً فنياً كبيراً أو أكثر علي رأس معروضاته التي اقتناها المتحف من قبل وهذه الأعمال المنجزة بإتقان مسبق مع كل فنان، ومن مقتطفات ما كتب عنه ورجاء بنشمس بالكتالوج ».. يتجلي اهتمامه بالبيئة، كدلالة متميزة، بدءاً من هندسة منزله المعمارية انتهاء بالمواد التي يستخدمها في أعماله، قاده وعيه للمواد في موقع سكنه إلي إجراء اختبارات متنوعة باستخدام المواد التقليدية مثل النحاس والجلد الخام والرق يحمل شغفه بالمواد عدداً من المعاني الرمزية حول العلاقات بين ما هو روحي وما هو دنيوي، بين دورة الحياة والمادة.. يظهر أيضاً التوتر الحيوي والاستفزاز، اللذين يسعي بلكاهية إلي إبرازهما من خلال المواد المستخدمة في معاني الإشارات التي يستحضرها في أعماله، صورت ازدواجية الوجود تاريخياً وعن طريق الأشكال الرمزية علي أنها المؤنث والمذكر في الأشكال الهندسية البسيطة وتبعاً لذاكرات متعددة الأجيال ومتعددة الثقافات، تتمثل الازدواجية في ليونة الدائرة وصلابة المثلث، الدائرة كما يقول بلكاهية هي اختيار حتمي، فهي شكل لا بداية له ولا نهاية له، يرمز إلي الأحادية الأزلية، وإلي الاستمرارية، وإلي الأرض، أما المثلث فهو يفرض نفسه كشكل بحد ذاته، كانت بنية المثلث الهندسية مع عدد أضلاعه، الثلاث، موجودة في ثلاثيات الأساطير المصرية القديمة وفي طرق الخلاص الثلاثة البراهمانية والثالوث المسيحي، وكانت تمثل الارتباطات المقدسة كما علاقات الحب الثلاثية الغادرة، يقول علماء الاجتماع إن المثلث هو أحد أكثر الرموز ثباتاً في علم النفس التطوري والثقافي والاجتماعي، يشير السهم، أي المثلث ذو الاتجاه، الذي مع أنه يكسر إطار الثالوث المغلق، إلي القدرة علي التحكم، مع تذكيره الواضح بالذكورية والارتفاع والولوج« استطاع الفنان فريد بلكاهية أن يستثمر تراثه الوطني في إبداعاته الفنية وكانت لثقافته واطلاعه علي مجريات الفن في العالم تأثيراً مهماً بل محفزاً لوضع حدود وإطار لهويته ورؤيته الفنية المبنية علي أرضية متينة، استخلص منها معالم واضحة لرموزه الشعبية والهندسية.