د. حسين منصور يتحدث مع محررة « الأخبار» عرفته منذ سنوات مجاهدا صبورا من أجل سلامة الغذاء لكل المصريين وبعد ان ترك منصب عميد كلية الزراعة بجامعة عين شمس بدأ اهتمامه بسلامة الغذاء عام 2003 ثم تفرغ لهذه القضية اعتبارا من 2008 فأصبح رئيسا لهيئة سلامة الغذاء «تحت التأسيس» ..وأعد قانون سلامة الغذاء وبح صوته لمدة 12 عاما دون جدوي حتي فقد الأمل واستسلم بعد ان جمدت الهيئة..لكنه مازال يأمل في مقابلة رئيس الوزراء المهندس ابراهيم محلب لمدة 12 دقيقة لشرح خطورة سلامة الغذاء علي صحة المصريين والمطالبة بتشريعات جديدة للغذاء، وقرر الانتقال للعمل الأهلي فأسس مؤسسة (حمايتي) وتم اشهارها وستبدأ العمل قريبا.. والي تفاصيل الحوار مع د . حسين منصور القوانين عفا عليها الزمن وأحدثها عام 1966 نحتاج تشريعات جديدة موحدة لحماية صحة المواطن نصف العاملين بالمجازر ليس لديهم شهادات صحية الخضر والفاكهة المرفوض تصديرها تباع في الأسواق المحلية بنبرة يائسة بدأ حديثه : القصة مأساوية، ولا أحد ينتبه لخطورتها وانا أصرخ وانا في قمة يأسي وأرسلت صرختي لرئيس الوزراء عبر برامج تلفزيونية وها أنا ذا أرسلها عبر جريدة «الأخبار» لالتقي به 12 دقيقة فقط بعد أن ظللت 12 عاما أعمل علي إعداد دراسات لضمان سلامة الغذاء فنحن دولة ينص دستورها علي أن الحكومة ملتزمة بصحة الغذاء وليس سلامة الغذاء فقط ونحن بعيدون عنه من الأساس فسلامة الغذاء تعني خلوه من مسببات الأمراض مثل الميكروبات والطفيليات والمتبقيات الكيماوية والمبيدات والسميات وأن يكون متزنا، فهل الدولة تلتزم بتوفير غذاء كاف ومتزن لمواطنيها ؟ كما أن سلامة الغذاء تختلف عن الأمن الغذائي بمعني ان يكون الغذاء في متناول المواطن وأسعاره رخيصة وهذا التزام ضخم بالتأكيد .فلا يوجد سلامة ولا تأمين للغذاء المستورد ولا المحلي . ألم تجد أي استجابة من الجهات الحكومية لمقترحاتك ؟ للأسف، مازال بالدولة العميقة كوادر تحت الوزراء يسيطرون علي المؤسسات ومازالت الدولة عاجزة عن التعامل معهم ربما المثال الوحيد الناجح هو البطاقة الذكية التي غيرت المفهوم المتوارث عن عدم المساس برغيف العيش فألغت نظام بيعه بسعرين ..إذن فمن الممكن ان نقبل التحدي ونجد الحلول البديلة للاوضاع المتدنية السارية حاليا فمصر تدار بمجموعة من القوانين الغذائية الغريبة الشاذة التي تجاوزها الزمن واقدمها صدر عام 1893 واحدثها عام 1966 وهي خالية من كلمة تعقيم او تطهير او تحديد لدرجة حرارة المنتج ولا يوجد أي نوع من الرقابة علي الانتاج الاولي في المزرعة .والمشكلة أن القانون سيء ولو طبق سيكون الحال أسوأ. إضرب لنا أمثلة ؟ قانون الغش رقم 48 لسنة 1941 يقول لو نزعنا جزءا من مكونات الغذاء وعوضناه بجزء أقل قيمة اقتصادية يعتبر غشا مع ان كل الأجبان المعروضة في السوق منزوعة الدهن ومستبدلة بدهن نباتي بما يعتبر غشا وبهذا لو طبقنا هذا القانون لتوقفت صناعة الالبان في مصر، كما يحظرالقانون الصادر عام 1953 بيع اللبن او عرضه او حيازته اذا رفعت درجة حرارته مع ان كل اللبن المبستر والمعقم رفعت درجة حرارته ولو طبق هذا القانون فليس في صالح في المستهلك . تداول اللحوم ماذا عن القانون المنظم لذبح وتداول اللحوم ؟ القانون رقم 4 لسنة 1953 الخاص بتجارة اللحوم ومنتجاتها لا يشمل اللحوم الموجودة حاليا مثل السجق واللانشون والبورجر وانما اقتصر علي لحوم البقر والجاموس والاغنام والماعز والخنازير ولم يذكر الأبل وبذلك فإن لحوم الإبل غير مصرح بتداولها ولم يحدد أي جهة مسئولة عن مراقبة اللحوم في السوق الداخلي وانما حدد وزارتا الصحة والزراعة كمسئولين عن اللحوم المستوردة. وماذا عن طرق حفظ اللحوم؟ لم يفرق بين اللحوم المبردة واللحوم المجمدة ولكن يقول اللحوم المجهزة بالبرودة دون ان يذكر التجميدويشترط حفظها لمدة لا تقل عن 10 ايام في درجة حرارة تقل عن الصفر بشرط تقطيع الحيوان الي 4 قطع. وما شروط نقل اللحوم ؟ ينظمها المرسوم رقم 682 لسنة 1954 وشروط نقل اللحوم في سيارات مبطنة بالصفيح الفرنسي دون ان يشترط ان تكون مغطاة او مبردة أما عقوبات المخالفين فهي غرامة لا تقل عن 5 جنيهات ولا تزيد عن 50 جنيها ولم يتعرض لطرق عرض وحفظ اللحوم بمحلات الجزارة التي اعتادت علي تعليق الذبائح مكشوفة مما يعرضها للأتربة والذباب. المجازر من اكثر المناطق التي تحتاج الي تطوير عاجل فما نتائج الدراسة التي قمتم في هذا الصدد؟ أجرينا دراسة في وحدة سلامة الغذاء سنة 2010 بالتعاون مع كليات الطب البيطري علي مستوي الجمهورية باستثناء الاسكندرية كشفت انه يوجد بمصر 470 مجزرا ونقطة ذبيح فحصنا 335 مجزر في 21 محافظة ووجدنا أن 70% منها تقع وسط البيوت بمساحة تقل عن 200 متر وأن نصف العاملين بالمجازر ليس لديهم شهادات صحية و90%من اللحوم المذبوحة تنقل في سيارات مكشوفة ولا يزيد النقل المغطي عن 1% فقط ولا يستخدم التبريد إلا في 6 مجازر فقط وبعضها معطل ولا يعمل ولا توجد اماكن مجهزة لاستقبال الحيوانات قبل الذبح و4% من أماكن الأختام موجودة وحجرة الطبيب البيطري في حالة يرثي لها ولا تتوفر المياه والمنظفات إلا بنسبة أقل من 5% . ألا يوجد تدريب او تعليمات للجزارين ؟ لا يحصل العاملون في المجازر علي برامج تدريبية ولا توجد رخص للجزارين وليس لهم مواصفات محددة ولكن هناك رخص للسلاخين وهي مهنة مجزية لانه يتقاضي 2 جنيه عن سلخ كل بقرة وهذا السعر محدد في قرار وزاري صدر عام 2010 ومن يذبح الحيوان في المجزر هو صاحب الحيوان بغرض الحصول علي الختم. ما هي الخطة التي اقترحتها الدراسة لتطوير المجازر ؟ البلاد العربية سبقتنا الي المجازر الآلية النظيفة المعقمة والمجزر المتطور يتكلف 20 مليون جنيه ويقام علي مساحة فدان ويستعيد تكلفته بعد 3 سنوات ولدينا خطة جاهزة لتطوير المجازر لن تكلف الموازنة العامة شيئا ونحن لا نحتاج إلا الي 60 مجزراً آليا فقط في كل محافظة مجزر أو اثنين ولا يصح وجود مجزر في مدن لا تربي فيها الحيوانات مثل القاهرة وبذلك يتم ذبح 200 حيوان يوميا في مكان واحد وتجمع مخلفاتهم التي تدخل في التصنيع مثل دم الحيوان والغراء والجيلاتين والروث الموجود في امعاء الحيوان والجلود التي ستدخل مليار جنيه ويجب تغيير القوانين حتي لا تسلم الحيوانات إلا وهي مذبوحة ومبردة لتغيير نظام تداول اللحوم. هل توجد رقابة علي الحيوانات الحية ؟ لا توجد رقابة ولا توجد شهادات ميلاد للحيوان لتحديد مواعيد اعطائه اللقاحات وانما يطعم الحيوان خلال الحملات التي تقوم بها وزارة الزراعة ولهذ انخفضت اعداد الثروة الحيوانية بنسبة الثلث عام 2006 وفقا لما اعلنه وزير الزراعة وقتها والآن يستمر انخفاضها بسبب انخفاض اسعار اللبن المجفف عالميا الي النصف مما جعل شركات الالبان تستورده وتفضله علي الحليب الطازج . كيف يتأكد المسئولون من سلامة الأغذية؟ يعتمدون علي معامل تحليل المبيدات فإذا كان المعمل نظيفا حسن الشكل اطمئنوا الي وجود رقابة علي المبيدات لكن الحقيقة انه لا علاقة بين المعمل والرقابة علي المبيدات لأنه يجري اختباراته لمن يرغب في الكشف عن نسبة المبيدات بالخضر والفاكهة قبل تصديرها فإذا كانت النسبة عالية رفض تصديرها وتم طرحها في السوق المحلي دون علم المستهلك ودون حماية او توعية من أي جهة ولا يوجد تشريع يوقف هذا الخداع، ورغم أن المعامل حكومية والعاملين بها يتقاضون اجورهم من الدولة لكنهم لا يؤدون عملهم دون مقابل لخدمة المجتمع ولا يفحصون إلا عينات المصدرين الذين يدفعون رسوما مقابل هذه الخدمة، لهذا يجب فصل الفحص عن الرقابة وهناك فارق بينهما فسلامة الغذاء تشمل التشريع والمراقبة والفحص الذي تتولاه داخليا وزارة الصحة وبالنسبة للغذاء المستورد وزارة الزراعة ولكنها لا تقوم بأي دور في السوق. وماذا عن سلامة المياه ؟ المشكلة في محدودية الكمية والزيادة المفرطة للسكان فنصيب المواطن ينخفض كل عام بمعدل 35 متر مكعب ولم نجد حتي الآن آليات لزيادة كمية المياه كما ونوعا وأن تكون المياه نظيفة وسليمة كما نص الدستور مع الزيادة المفرطة لتلوث المياه السطحية. وما أوجه الشك في المياه المعبأة المتداولة في السوق ؟ لم تعد مياه طبيعية بل هي مياه معاملة والمفروض ان تطهر وتعقم قبل تعبئتها بينما يكتبون علي الزجاجة (مياه طبيعية ) صحيح توجد رقابة علي مصانع تعبئة المياه ولكن هل هي فعالة ؟ فهناك بعض المصانع أغلقت بالفعل ولكن ظل انتاجها مطروحا بالسوق . توحيد الجهات طالبت في مشروع قانون سلامة الغذاء بتوحيد الجهات البحثية تحت اشراف واحد ؟ نعم، لابد من توحيدها تحت جهة مستقلة لا تتبع اي وزارة وليس لها مهام اخري ولكن الغريب ان نقابة الصيادلة مثلا تعد قانونا جديدا لانشاء هيئة للرقابة علي الدواء والغذاء ايضا علي غرارهيئة الغذاء والدواء الامريكية في حين ان الحكومة الامريكية تنظر في إنشاء هيئة مستقلة لسلامة الغذاء كما أن مشاكل الدواء في مصر مختلفة تماما عن مشاكل الغذاء وانا أطالب بتشريع جديد للغذاء مساير للمعايير العلمية الدولية لنتخلص من كل التشوهات في القوانين البالية ونضع نظام رقابي يقوم علي تطبيقه خبراء محترفين ومؤهلين في الرقابة واخذوا دورات تمكنهم من مسايرة هذا الوضع لأن سلامة غذاء مصر من اهم الأولويات وتأثيره ينعكس علي الاقتصاد وعلي صحة المواطن وانتاجيته في العمل وعلي ثقة المواطن في حكومته ، ففي دراسة اجريناها سألنا الناس عن مدي ثقتهم في ان الحكومة تقدم لهم غذاءا سليما ووجدنا 99% لا يثقوا في الغذاء الذي يتناولونه وهي علامة خطرة لأن الحكومة يجب ان تكون حريصة علي صحة الشعب. اذا اتيحت لك فرصة لقاء رئيس الوزراء لمدة 12 دقيقة كما تطلب فماذا ستقول له ؟ سأشرح له تجربة غير مسبوقة في مصر من مشاكل وحلول لأننا لسنا هواة ولكن للأسف اشعر وكاني أؤذن في مالطة ! كيف تري حال سوق الغذاء الآن؟ المعلومات المتاحة قليلة جدا فهناك مجهودات مضنية لتحسين الغذاء الذي يصدر للخارج ومازالت هناك مناقشات عن الغذاء المستورد وليس بالضرورة ان يحكمها العلم والمنطق ولكن تحكمها صراعات بين المستوردين وانما سوق التصدير هو الجهة الوحيدة التي تحاول ان تنهج النهج السليم ولكن فكرة سلامة الغذاء مازالت غير مطروحة في السوق المحلي من حيث التشريع او آليات الرقابة فهناك 17 جهة رقابية تهدر المال العام و80% من الصناعات الغذائية عشوائية والمستهلك لا يبحث عن الغذاء الآمن ولكن عن الغذاء الأرخص ولكن جميع الأطراف تتفق علي ان سلامة الغذاء ليس ذو أهمية رغم تداعياتها علي صحة الاطفال خاصة علي المخ لكن الغذاء قضية معقدة، والمناقشات لا تتم بشكل علمي لطبيعة الثقافة العامة للمصريين.