البراميل المتفجرة تنسف البيوت علي رؤوس سكانها يبدو أن سوريا ماضية في الاتجاه المعاكس في عام 2015 نحو مزيد من القتال والخراب. الا ان العام المقبل قد يكشف أيضا عن بعض نقاط التحول. فقد شهد عام 2014 ذروة صعود «داعش»، لكنه شهد أيضا عودة امريكا إلي بلاد الشام وإنشاء تحالف للاستمرار في معركة طويلة الأمد ضد «داعش». قد يتطور هذا في عام 2015 إلي تصعيد لأعمال التحالف في سوريا بشكل اقامة منطقة حظر جوي في الشمال وانخراط قوات المعارضة المسلحة، التي سيتم تدريبها وتأهيلها في الأشهر القادمة، إلي المعركة. والخطر الذي يمثله داعش، والحجم الحقيقي له مبالغ فيه كثيراً، سواء من قبل الحكومة الأمريكية أو من قبل وسائل الإعلام، وذلك علي الرغم من أن التنظيم يسيطر علي ثلث مساحة العراقوسوريا حالياً. و لا يتوقع أن تلعب داعش دوراً قوياً في الجغرافيا السياسية علي المدي الطويل في هذه المنطقة، والسبب هو أن القوة التي يظهرها داعش ترجع فقط إلي ضعف كل من حوله، فليس للتنظيم مؤيدون علنيون في الخارج، والجغرافيا ليست هي الأخري في وضع جيد بالنسبة له حيث ينتشر التنظيم في صحراء سورياوالعراق. وإذا كان لداعش سيطرة علي حقول النفط، الا انه لن يكون له القدرة علي بيعة بطريقة مشروعة، وفي النهاية فإن تمدد التنظيم جعله أكثر عرضة للضربات الجوية. كما استطاع تنظيم الدولة الإسلامية أن يوحد القوي السنية العربية وإيرانوالعراقوأمريكا والحلفاء الأوربيين ضده. ومع ظهور بعض العلامات التي تشير بأنه يجري احتواؤه فإنه يعزز علي ما يبدو قبضته علي الأراضي التي يسيطر عليها في شرق سوريا وغرب العراق. وإذا كان " داعش " قد رسم بدايات الخيوط المشتعلة خلال عام 2014، إلا أنه أبقي علي تلك الخيوط ممتدة مرهونة باستراتيجيات جديدة لتكمل النهايات المفتوحة، التي باتت أمرا محيرا، خاصة مع عدم وضوح هدف التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن بشأن مستقبل هذا التنظيم، ففي سوريا يعتبر تنظيم "الدولة" جزءا من لغز معقد، يواصل فيه نظام الأسد عملياته ومحاولته البقاء في اللعبة ويواجه عددا من قوي المعارضة، فيما تقف الإدارة الأمريكية حائرة بين رغبتين متضاربتين هما رغبة تركيا في الإطاحة بنظام بشار ورغبة إيران في الإبقاء عليه رغم كل ما تشهده البلاد من دمار. وعلي الصعيد السياسي فمن غير المرجح إحياء محادثات جنيف برعاية أمريكا وروسيا لحل الأزمة السورية، إلا أن مبعوث الأممالمتحدة يدفع باتجاه وقف إطلاق النار في حلب، وروسيا تتوسط بين النظام وبعض أطراف المعارضة لطرح صيغة استمرار الأسد بصلاحيات محدودة وتشكيل حكومة من بعض رموز المعارضة. قد يساعد توصل إيران إلي اتفاق مع امريكا علي فتح مخرج للازمة في سوريا. إذ يعتمد نظام الأسد في نهاية الأمر علي دعم إيران وحلفائها مثل حزب الله اللبناني. وتتردد تكهنات كثيرة حول سؤال: هل يمكن إقناع طهران بسهولة للتخلي عن الأسد ونظامه- مثلما تخلت عن المالكي في العراق – حيث ان ذلك يطرح امكانية تشكيل ائتلاف جديد بين الجزء الباقي الأقل خطرا من النظام وبقايا التيار الرئيسي للمعارضة.إلا ان ايران ستحتاج في هذه الحالة إلي بعض الضمانات بأنه لن يتم ابعادها تماما عن سوريا. ومع ذلك فهناك اجماع علي أن الأزمة السورية بلغت ذروتها حتي أصبح الحديث عن انتقال سلمي للسلطة مستحيلا.. وفي هذا الصدد هناك اربعة سيناريوهات اعدتها مؤسسة راند حول مستقبل الصراع في سوريا لن يخرج المستقبل السوري بعيدا عنها، وهذه السيناريوهات الأربعة تبدأ من صراع طويل الأمد بين دويلات سورية صغيرة. وتعكس هذه الرؤية استمرار الوضع القائم، ونشأة عدة دويلات تعمل بشكل شبه ذاتي في مختلف أرجاء سوريا، منها دولة علوية يديرها الأسد، ودولة كردية في شمال شرق سوريا، ودولة إسلامية معتدلة تسيطر علي المنطقة الواقعة بين ضواحي دمشق والحدود الإسرائيلية، ودولة الخلافة داعش وتمتد من حلب إلي الحدود العراقية. ثاني هذه السيناريوهات يتخيل انتصار الأسد. وهنا لن يعني النصر اختفاء المخاطر والتهديدات لنظامه. ثالث السيناريوهات يفترض هزيمة نظام الأسد وانهياره. إلا أن التقرير يرصد أن مثل هذا السيناريو سيستغرق وقتا طويلا، ولن يتسني له النجاح إلا عندما يحصل المعارضون علي أسلحة أكثر تطورا، مثل الصواريخ المضادة للطائرات المحمولة. وسيعني سقوط الأسد استمرار العنف بين مختلف الفصائل المعارضة المسلحة، مع بروز تنظيم داعش باعتباره أحد أقوي هذه الفرق المعارضة. أما رابع السيناريوهات فيتخيل حدوث تسوية تفاوضية رغم أنها أقل هذه السيناريوهات قابلية للتحقق.وتعتمد هذه النتيجة علي استئناف محادثات السلام المتوقفة حاليا، وإنشاء حكومة شاملة وغير طائفية في سوريا تتألف من أعضاء نظام الأسد وأعضاء من مختلف الفصائل المتمردة. وفي جميع الاحتمالات، فإن التسوية سوف تنص علي إيجاد ممر آمن لخروج الأسد وعائلته من سوريا، وهو ما سيتطلب وجود دولة مضيفة تقدم له حق اللجوء. كما إن هذه التسوية سوف تعني اقامة حكومة وحدة وطنية جديدة يصاحبها تشكيل جيش جديد يشارك فيه السنة علي أعلي المستويات. في النهاية يبقي أن المعضلة السورية إلي زاد تعقيدها وتفاعلاتها بما أصبحت معه المشكلة الأساسية لا تتمثل في بقاء أو اختفاء نظام الرئيس بشار من السلطة. اليوم وبعد ثلاث سنوات من القتال، وبعد تدخلات غير مسبوقة من أطراف متعددة في سوريا، اهتزت الدولة وأهتز نسيج سوريا العرقي والطائفي والقومي بما أصبح معه تخيل بقاء خريطة سوريا الحالية في المستقبل المنظور محض خيال.