وأكد القرآن الكريم علي خمس عقوبات للمعتدي في قوله تعالي: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما).. الإسلام هو دين الأمن والسلام وكلمة الإسلام مشتقة ومأخوذة من السلام، وتحية المسلمين فيما بينهم «السلام» وهذا كله يدعو الناس أن يوقنوا بأن أي سلوك يخالف الأمن والسلام لا يقره الإسلام، بل يتنافي مع الإسلام ويخالفه وقد أكد رسول الله صلي الله عليه وسلم علي حرمات المسلمين قبل أن يودعهم ويلحق بالرفيق الأعلي حفاظا عليهم وعلي أمنهم واستقرارهم من بعده، فكانت وصيته الجامعة للأمة الإسلامية في خطبة الوداع: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا الا هل بلغت». ويتوعد القرآن الذين يشيعون الإرهاب والعدوان علي النفس فيقول الله تعالي: «ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيماً». بل إن اعتداء الإنسان علي نفس أخيه الإنسان، خروج من دائرة الإيمان، ونزوع إلي الكفر، ورجوع إليه وإلي جاهليته تلك التي نهي الرسول صلي الله عليه وسلم عنها، وحذر منها في قوله صلي الله عليه وسلم: «لا ترجعوا بعدي كفارا، يضرب بعضكم رقاب بعض». وحفاظاً من الإسلام علي استتباب الأمن واستقرار العباد والبلاد يدعو إلي الأمن مع جميع الناس، ويحذر من العدوان ومن الإرهاب حتي مع غير المسلم، وحتي مع الفاجر ففيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: «من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات ميتة جاهلية ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلي عصبة أو ينصر عصبة فقتل فقتله جاهلية ومن خرج علي امتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشي من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه». ومعني الميتة الجاهلية أي علي صفة أهل الجاهلية في تمزقهم وتفرقهم من حيث هم فوضي لا قيادة لهم ولا إمام لهم. والراية العمية: هي الأمر الأعمي الذي لا يستبين وجهه، كذا قاله أحمد بن حنبل والجمهور. وقال إسحاق بن راهويه: هذا كتقاتل القوم للعصبية ومعني (لا يتحاشي من مؤمنها ولا يفي لذي عهد) أي لا يكترث من مؤمن ولا صاحب عهد بما يفعله ولا يخاف وباله وعقوبته.. ومن رعاية الإسلام لتأمين الناس وتحذيره من إرهابهم ومن ترويعهم انه ينهي عن مجرد الإشارة بالسلاح أو بالحديدة حتي وإن لم يحدث ضرب ولا اعتداء، مخافة أن ينزعها الشيطان من يد حاملها عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: «لا يشر أحدكم إلي أخيه بالسلاح فإنه لا يدري أحدكم لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار».. وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: «من أشار إلي أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتي يدعه وإن كان أخاه لأبيه وأمه». وتحريم الإسلام لترويع الآمنين يترتب عليه أحكام ويترتب علي من لم يحافظ عليه أحكام، زيادة في رعاية الحق في الأمن والاستقرار وتأكيدا علي تحريم الترويع، أرسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلي امرأة مغيبة (أي غاب عنها زوجها) كان يدخل عليها، فأنكر ذلك، فقيل لها: اجيبي عمر قالت: ويلها ما لها ولعمر؟ فبينما هي في الطريق ضربها الطلق لأنها كانت حاملا فدخلت دارا فألقت ولدها، فصاح صيحتين ومات فاستشار عمر الصحابة فأشار عليه بعضهم: أن ليس عليك شئ انما أنت وال ومؤدب، فقال عمر: ماتقول يا علي؟ فقال: إن كانوا قالوا برأيهم فقد أخطأوا وإن كانوا قالوا في هواك فلم ينصحوا لك، أري أن ديته عليك، لأنك أنت فزعتها فألقت ولدها من سببك. فأمر عليا أن يقيم عقله علي قريش(3). وقد جاء في ترويع الآمنين وإرهاب الناس الوعيد الشديد وهذا الوعيد لا يكون إلا في الكبائر من ذلك: قال ابن عمر رضي الله عنهما سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: «من أخاف مؤمنا كان حقا علي الله ألا يؤمنه من أفزاع يوم القيامة» وحتي لو كان ترويع الإنسان أمرا بسيطا أو في أمر هين وليس في نفسه أي خطر علي حياته، وحتي ولو كان علي سبيل المزاح فإنه حرام يحذر منه الإسلام ويعده ظلما بينا، عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه أن رجلا أخذ نعل رجل فغيبها وهو يمزح فذكر ذلك لرسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: «لا تروع المسلم فإن روعة المسلم ظلم عظيم» بل حتي مجرد النظرة المخيفة يعتبرها الإسلام ترويعا، ويحرمها فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «من نظر إلي مسلم نظرة يخيفه فيها - بغير حق - أخافه الله يوم القيامة». هذه تعاليم الإسلام في الحفاظ علي الأمن والاستقرار وطمأنينة الناس، والتحذير والنهي عن ترويعهم أو إرهابهم، حتي ولو كان ذلك علي سبيل المزاح. رئيس جامعة الأزهر السابق عضو هيئة كبار وعضو مجمع البحوث الإسلامية