استعرت حدة الخلافات بين جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك" وقيادة أركان جيش الاحتلال, حينما خرج رئيس الجهاز يورام كوهين علي وسائل الإعلام معلناً أنه حذر المستوي السياسي والجيش من شبكات الأنفاق الغزاوية التي تهدد أمن اسرائيل القومي واتهم كوهين ديوان رئاسة الوزراء وقائد الأركان بني جنتس بتجاهل تحذيرات جهازه. في المقابل ردت الدوائر السياسية والعسكرية في تل أبيب علي ما وصفته بادعاءات كوهين, مؤكدة أن الأخير تعمد إحراج المؤسسة العسكرية وأن التحذيرات التي يتحدث عنها لم تكن استباقية بوقت كاف يسمح بالتعامل مع التهديد وأن رئيس الشاباك السابق فند مزاعم كوهين وقال إنها محاولة فاشلة للمساس بقدرة الجيش الإسرائيلي. علي الصعيد ذاته بعث قائد أركان الجيش الإسرائيلي الميجور جنرال بني جنتس برسالة لرئيس الوزراء بنيامين نتانياهو يطالبه فيها بفرض قيود علي "الشاباك" للحيلولة دون تدخله فيما وصفه ب "خزينة المعلومات السرية" للأجهزة الأمنية والحديث فيها علانية دون أدني مسئولية. ولم يكتف قائد الأركان الإسرائيلي بذلك وإنما طالب نتانياهو بتوبيخ رئيس جهاز الأمن العام "يورام كوهين" الذي كشف غير ذي مرة عن معلومات أمنية سرية غير مسموح بتداولها أمام الرأي العام. ورغم إعلان المستوي السياسي في تل أبيب المصالحة بين قيادة أركان الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام "الشاباك" إلا أن عمق الخلافات بين الجانبين ليس وليد الوقت الراهن وإنما تمتد جذوره منذ إعلان تدشين جهاز "الشاباك" وحتي الآن. والثابت وفق دوائر أمنية في تل أبيب أن رئيس "الشاباك" سمح لقيادات الجهاز لاسيما قائد منطقة الجنوب بالإدلاء بتصريحات صحفية وهو ما يعد مساساً صارخاً بالمبادئ العامة للجهاز وخرقاً سافراً لدوائر أمن المعلومات في الدولة العبرية. الأكثر ثبوتاً أنه بعيداً عن الأزمة الأخيرة بين قيادة أركان الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام "الشاباك" شهدت النزاعات بين الجانبين صعوداً وهبوطاً منذ فترة طويلة وبلغ الصدام بينهما مداه حينما تدخل "الشاباك" في عمل هيئة الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش الإسرائيلي "أمان" وكانت تفاهمات أوسلو بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي شاهداً علي تلك الخلافات, فبعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من المواقع الأكثر كثافة في قطاع غزة سادت الخلافات الإسرائيلية حول أحقية الأجهزة في تولي المسئولية الأمنية عن المناطق المخلاة ولعب "الشاباك" دوراً كبيراً في إثارة تلك الخلافات ولم يُحسم الأمر إلا في نهاية المطاف عندما قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي حينئذ بإسناد المسئولية لجهاز الأمن العام. ووفقاً لما نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت حول تاريخ الخلافات المشتعلة بين جهاز الأمن العام والوحدات الاستخباراتية التابعة لجيش الاحتلال ألمحت الصحيفة العبرية إلي تعنت "الشاباك" وإصراره علي القيام بدور استخباراتي اليكتروني في الجنوب اللبناني يضاهي الدور الموكل لوحدة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية 8200 ووصلت تلك الخلافات في كثير من الأحيان للاشتباكات الكلامية بين الجانبين إلا أن الرقابة الإسرائيلية فرضت علي الصحافة حظراً بالغاً يحول دون نشر أي انباء تتعلق بتلك الخلافات. رغم ذلك لم يشهد التاريخ منذ إنشاء جهاز الأمن العام خلافات علنية مع المؤسسة العسكرية وكذلك مع ديوان رئاسة الوزراء, كالخلافات التي دبت مؤخراً بين الأطراف الثلاثة خاصة أنها وصلت إلي تبادل الاتهامات وفي محاولة لتبرئة ساحة المستوي السياسي والعسكري الإسرائيلي من اتهامات "الشاباك" قالت دوائر في أجهزة استخبارات الجيش الإسرائيلي إن أي قرار يتم اتخاذه حيال تهديدات أمن إسرائيل يتم بحثه قبل صدوره في إطار دائرة واسعة تضم طاقماً معنياً ببحث الأزمة ودراسة طرق التعامل معها لكن الخلاف حول الغطاء الاستخباراتي في قطاع غزة أدي إلي المساس بالتعاون المشترك بين جميع الأجهزة المعنية في إسرائيل. وألمحت الصحيفة العبرية إلي أن المستويين السياسي والأمني في تل أبيب حاولا أكثر من مرة تصفية الخلافات بين الشاباك وقيادة الجيش الإسرائيلي ونجحت تلك المحاولات فقط في تخفيف حدة التوتر بين الجانبين إلا انها فشلت في اجتثاثها من الجذور وكان من بين هذه المحاولات ما يُعرف بوثيقة "ميجني كارتا" التي أعدت لتصفية الخلافات بين الفريقين إبان تولي "عاموس ملكا" رئاسة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في تسعينيات القرن الماضي وحددت الوثيقة في حينه مهام وتغطية كل جهاز أمني في إسرائيل علي حدة ونصت الوثيقة علي أن تمنح الوحدة الاستخباراتية الإسرائيلية 8200 مهام استخباراتية اليكترونية لجهاز الأمن العام رغم ذلك مازالت الخلافات راسخة بين الجانبين وكل ما يدور من حديث عن مصالحات بينهما لا يتجاوز عمليات ذر الرماد في الأعين. محمد نعيم