قبل عشرين عاما كانت سرقة »ونش« من شوارع القاهرة طرفة نتندر بها ويشار إليها، فكيف يمكن وضع الفيل في المنديل، والمقصود كيف يمكن سرقة ونش بكل هذا الحجم، علنا، وفي وضح النهار!! ما حدث قبل عشرين عاما كنادرة- تكرر قبل أسابيع كفضيحة فقد تم اكتشاف سرقة منبر مسجد »قاني باي الرماح« الملحق بمسجد السلطان حسن بميدان »الرميلة« بالقلعة.. منبر المسجد سرق بالكامل رغم ان ارتفاعه 5 أمتار وارتفاع قاعدته 5.3 متر!! سرقات المساجد الأثرية تكاد تكون حوادث عادية من فرط تكرارها علي مدي السنوات الماضية لكنها كانت مقصورة علي سرقة الأبواب والحليات، والحشوات وكراسي إسناد المصاحف.. أما منبر كامل فتلك سابقة خطيرة وكارثة وفضيحة.. وبالطبع السارق لم يحمل المنبر علي اكتافه ولكن قام بتفكيك حشواته حشوة حشوة، ثم يقوم بعد ذلك بتركيبها واستعادة المنبر كاملا مرة أخري.. وهو ما يعني بالضرورة ان السارق خبير، يفهم في الآثار ويقدر قيمة الأثر الذي بين يديه.. وبالفعل منبر مسجد قاني باي الرماح واحد من أجمل 4 منابر إسلامية في العالم كله، وهو مبني في العصر المملوكي »3051« من خشب الجوز المطعم بالعاج والأبنوس.. يبدو أن السرقات الفنية والأثرية المتتالية ساهمت في رفع الوعي الأثري والفني، فبسبب السرقة عرف المواطن العادي لوحة »زهرة الخشخاش« لفان جوخ وعرف مسجد »قاني باي الرماح« وأهمية منبره. توقيت السرقة ايضا لا يخلو من دلاله. فلا أحد يعلم متي تمت السرقة.. اكتشافها فقط حدث قبل أسابيع أما السرقة فقد تمت خلال 71 عاما، من 3991 حيث آخر مرة فتح المسجد للمصلين وتم تسليمه للترميم حتي اكتشاف غياب المنبر 0102. ومثلما يحدث مع كل السرقات، تعالت الأصوات وتنازعت أطراف مختلفة المسئولية بينما »القيمة المسروقة« نفسها فلا مجال لاستعادتها. انشغل الناس بالتراشق الواقع بين محسن شعلان رئيس قطاع الفنون التشكيلية وفاروق حسني وزير الثقافة بينما لوحة »زهرة الخشخاش« كانت قد انتهت إلي الأبد! أما سرقة منبر »قاني باي الرماح« فقد استعادت الصراعات الحادة والمشاحنات بين »المجلس الأعلي للآثار و»وزارة الأوقاف«.. كل منها يتهم الآخر بمسئوليته عن تبديد الآثار الإسلامية.. د. زاهي حواس رئيس المجلس الأعلي للآثار اتهم الأوقاف مباشرة بمسئولية سرقة منبر مسجد قاني باي خاصة ان المسجد في حوزتهم بعد ان انتهت أعمال ترميمه وتسلمته الأوقاف.. ويرفض صراحة تسليم أي من المساجد الأثرية إلي الأوقاف بعد ذلك! ووزارة الأوقاف نفت هي الأخري مسئوليتها مشيرة إلي ان المسجد لم يفتح للصلاة منذ 3991 فلازالت به أعمدة الترميم التابعة لمجلس الآثار..! المشاحنات العالية الصوت كانت فرصة لتكرار مطلب الأثريين باستقلالية »الآثار« وتحويلها إلي »وزارة سيادية« وهو الاقتراح الذي ترفضه وزارة الثقافة فالآثار هي الدجاجة التي تبيض ذهبا.. وزارة الأوقاف هي أيضا ترفض ضم المساجد الأثرية إلي الآثار.. والضحية دائما وسط هذه الصراعات الدائرة هي الأثر الذي يتم نهبه علنا ثم يتفرق دمه علي كل القبائل!