ما أتعس الشعب العراقي. شعب كافح من أجل إنهاء نظام الحكم الديكتاتوري فجاء بقوات الاحتلال الدولية وعلي رأسها القوات الأمريكية. منذ سقوط نظام صدام حسين بعد ساعات من الغزو الأمريكي عام 2003 والقتلي والجرحي يتساقطون يومياً، ولا توجد احصائيات رسمية تحدد أعدادهم. منظمة أهلية عراقية اهتمت مؤخراً برصد أعداد ضحايا الحرب الأهلية، والحروب المذهبية، المندلعة داخل العراق منذ سنوات عديدة ماضية. نشاط المنظمة الأهلية مقصور علي رصد الضحايا من المدنيين الأبرياء الذين تفتتت أجسامهم، وفقدوا أرواحهم لا لشيء إلاّ لأنه تصادف وجودهم في الزمان والمكان غير المناسبين! قالت المنظمة الأهلية علي موقعها الإلكتروني www.iraqbodycount.org إن عدد الضحايا المدنيين الذين لقوا حتفهم دون أن يحمل واحد منهم سلاحاً يتراوح من 959775 إلي104481منذ بداية الحرب المجنونة وحتي لحظة إعداد تلك الإحصائية! ومن أحدث هذه الإنفجارات الانتحارية الإرهابية، ما حدث صباح يوم الأحد الماضي في قلب العاصمة العراقية حيث مقار السفارات والقنصليات الأجنبية، مثل السفارة الألمانية ومقر سفيرها، والسفارة الإيرانية، والقنصلية المصرية، والسفارة السورية، والسفارة الاسبانية. راح ضحيتها: 41قتيلاً، وسقط أكثر من 230جريحاً. لا أحد يعرف سبب اختيار تلك المقار الدبلوماسية رغم تنوع سياسات دولها، وتنافر بعضها مع بعضها الآخر! أفهم أن يوجه تيار سياسي إرهابي ضربة إلي السفارتين السورية والإيرانية، لكن لا أفهم ضم القنصلية المصرية والسفارة الألمانية إليهما! والسلطات الإيرانية صدمت كثيراً في الخلط غير المنطقي لأهداف تلك الانفجارات الثلاثة. فلم يكن آيات الله يتصورون أن تجرؤ عصابة إجرامية، أو منظمة إرهابية، علي مجرد الاقتراب من سفارتهم، بعد أن توهموا أنهم أصبحوا الحكام الحقيقيين، الفعليين، داخل أغلب المناطق العراقية.. خاصة مع تراخي قبضة الاحتلال الأمريكي شيئاً فشيئاً توطئة لسحب معظم قواته خلال هذا العام، فإذا بها تفاجأ صباح الأحد بانفجارات تتوالي في قلب بغداد، حيث مقر السفارة الإيرانية! لم تهتم طهران بإعلان تنديدها بهذه الانفجارات الدامية، المتتالية، كما فعلت القاهرة وبرلين ومدريد وغيرها من العواصم العالمية، وإنما كان الشغل الشاغل لآيات الله منصباً علي التأكيد في بيان رسمي صدر في نفس اليوم بأن » لا صحة علي الإطلاق لما رددته بعض المصادر الإعلامية، المعادية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، عن أن الانفجارات الأخيرة في وسط بغداد كانت تستهدف مقر السفارة الإيرانية، والحقيقة أنها كانت تستهدف مقار السفارات الأخري«! هكذا.. علقت طهران علي الانفجارات التي قتلت العشرات وجرحت المئات من المارة المدنيين. قتل وجرح كل هؤلاء لا يستحق من الإيرانيين المسلمين كلمة شجب أو تنديد واحدة. تفجير السيارات المفخخة في قلب العاصمة العراقية، المشغولة بنتائج الانتخابات والسعي إلي تشكيل وزارة جديدة، لا يشكل ولا يعتبر بالنسبة للإيرانيين عملاً إرهابياً يستهدف إفشال العملية السياسية وإغراق البلاد في فوضي لا تتوقف ولا تنتهي! كل ما اهتمت إيران به هو نفي استهداف سفارتها ضمن غيرها من السفارات! كأن إيران علي دراية مسبقة بالأهداف التي حددتها الميليشيا الإرهابية التي خططت، وموّلت، ونفذت، تلك الانفجارات ولم تكن السفارة الإيرانية من بينها! أو كأن إيران لا يضيرها أن يُنظر إليها ك »مشارِكة« من قريب أو بعيد في الانفجارات، لكنها تتضرر كثيراً عندما تُتهم بأنها كانت مستهدفة. إبراهيم سعده [email protected]