دائما ما يقال ان البداية صعبة.. ولكن إذا استجمع الإنسان قواه وعزيمته علي البدء بشيء ما، فليس مطلوبا منه بعد ذلك الا المضي فيما بدأه.. والإستمرار اسهل من البدء.. والشيطان يكمن في هذه المرحلة بالذات للتيئيس من بلوغ الهدف المنشود.. بدعوي ان الطريق طويل والنتائج ان لم تكن بطيئة فهي غير مضمونة.. فيتوقف ويقفل راجعا، ويضيع عليه الجهد الذي يكون قد بذله بلا عائد.. وكثير من الناس هكذا يفعلون.. يبدأون ثم يتوقفون في مرحلة ما، ولايصمدون لما بدأوا فيه.. ولكي يبلغ الانسان هدفه لابد ان يقتنع بأهمية بلوغه وبإمكانية بلوغه في نفس الوقت .. وأن يوطن نفسه علي ان الطريق طويل.. ولكن طول الطريق لاينبغي ان يكون مزعجا أو يسبب قلقا، فلا شيء في دنيانا يتم بين يوم وليلة.. هذا ليس من طبائع الاشياء.. كل شيء يأخذ وقته. والانسان لكي يبلغ اشده فهو يمر بمراحل الصبا ثم البلوغ ثم النضوج.. وفي القرآن الكريم إشارة إلي ذلك في قوله تعالي »حتي اذا بلغ اشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي« »الاحقاف 51« فأربعون سنة كانت لازمة لكي يبلغ الانسان أشده.. هذا مجرد مثال.. والانسان- مثلا- اذا اراد ان يتعلم لغة اجنبية فلن يتعلمها في ايام أو أسابيع أو شهور، ولكن قد يستغرق الامر- لكي يجيد اللغة حديثا وكتابة- عدة سنوات..تطول أو تقصر حسب ما يبذل من جهد يومي في تعلم اللغة واتقانها.. أو برنامج تخسيس.. فالذي يريد ان يتخلص من الوزن الزائد لايستطيع ان ينجز هذا الهدف في اسابيع قليلة، بل سيحتاج علي الارجح ما بين ستة اشهر وعام كامل، فإن كان الشخص- قبل ان يبدأ- موقنا بأهميته تحقيق هذا الهدف وبإمكانية تحقيقه، فلا ينبغي ان يستبطيء الوصول إلي النتيجة المرجوة.. وانما يستمر.. ويتعلم من الاخطاء التي وقع فيها ويصححها اولا بأول، فذلك من شأنه التسريع ببلوغ الهدف.. اما ان ييأس ويتراجع ويقنع نفسه بأن بلوغ هذا الهدف مستحيل، فذلك هو الفشل بعينه.. ولايجب ان نستعجل الفشل »!« بل نمضي فيما بدأناه.. فإذا استمررنا، فبلوغ الهدف يصبح مسألة وقت لن يطول كثيرا.. المهم هو الاستمرار مع تصحيح الأخطاء أثناء المسيرة.. مثال آخر.. شخص يريد الحصول علي الدكتوراه.. اذا بدأ، ينبغي ألا يتوقف مهما وجد امامه من صعوبات.. بل يذللها ويتخطاها واحدة تلو الاخري، وبعزم لايلين وهمة لاتفتر.. وفي النهاية سوف يحصل علي الدكتوراه.. اما اذا تقاعس بعد ان بدأ وظن ان الطريق طويل، والعقبات تكتنفه من كل إتجاه، فلسوف يخسر جهده الذي بدأه بالفعل، ويذهب هذا الجهد ادراج الرياح. والذي يريد ان يتخذ مهنة له، او حتي هواية مثل تعلم العزف علي آلة موسيقية معينة، فسوف يستغرق هذا المشروع وقتا ليس بالقصير، ولابد في هذه الاثناء ان يواظب علي العزف والتمرين المتواصل، وبلا كلل أو ملل.. وفي النهاية سيصبح عازفا يتقن العزف علي آلالة التي إختارها، وسيعطيه ذلك متعة كبيرة.. اما اذا إستثقل المهمة وتكاسل عن التمرين واستشعر ان هذا الهدف عسير المنال، فسوف يرتد علي عقبيه وسوف لايتبقي له إلا الآلة الموسيقية التي بدأ العزف عليها. حتي في أمر الآخرة- بل لعل الآخرة تأتي في المقدمة- فلو اقتنع الإنسان بأهمية دخول الجنة وبإمكانية تحقيق هذا الهدف، وعكف علي ما يوصله اليه من عبادات ومعاملات، فسوف يصل بإذن الله وبرحمته، اما ان اوحي اليه الشيطان بأن هذه الهدف لايمكن إدراكه ، فسوف يعود القهقري ، ويتحول هو نفسه إلي شيطان من الانس، يصول ويجول، ويعربد هنا وهناك، ويأتي من المنكرات والمعاصي ما استطاع، فسوف يكون مصيره النار، وقد كانت الجنة في متناول يديه لو استمر علي الطريق اليها..