دون مبالغة،...، لا أحد يملك الآن، ونحن علي مقربة خطوات قليلة، من مشهد الافول لنجم عام 0102، والإعلان الرسمي عن رحيله، بكل ما احتواه من وقائع وأحداث، اختلطت فيها المشاعر والأحاسيس والانفعالات، إلا أن يقول ما جرت العادة علي قوله في هذه المناسبة، التي تتكرر مع نهايات السنين، وبدء سنة جديدة من عمر البشر، وهو،..، اننا نودعه بخيره وشره، بحلوه ومره، ونسلمه إلي ذمة التاريخ بأحداثه ووقائعه، يحكم هو عليها، ويدخلها في المكان الذي يختاره لها وفقا للتصنيفات المتعارف عليها. ودون استباق لا مبرر له، لساعات قليلة تكاد لا تذكر في عمر الزمن، تفصلنا عن ترحيب العالم كله ببداية عام جديد، في تقليد اخذت به، ودرجت عليه غالبية الشعوب والدول، واستقر في وجدان البشر علي اختلاف ألوانهم، وألسنتهم، ومعتقداتهم، فإنه من الطبيعي أن تتمني مع كل الناس أن يكون العام الجديد أكثر إشراقا، وأقل سوءا، بالنسبة لنا ولكل الناس في مصر وجميع البلاد والشعوب. ولعله الأمل في بدايات جديدة تكون أكثر سعادة، وأقل حزنا هو الدافع وراء تلك الاحتفالات، ولعله ايضا أمل الخلاص من اعباء قائمة، ومشاكل حالة فرضت نفسها، وألقت بثقلها علي كاهل البشر طوال عام كامل، هو السر وراء الترحيب بلحظات الوداع، وطي صفحة قائمة، وفتح صفحة جديدة. ورغم ترحيبنا مع المرحبين بوداع العام الحالي، وبالرغم من الأمل الذي نتمناه مع الكل بأن يكون العام الجديد أقل ثقلا، وأخف وطأة في أحداثه ووقائعه عن سابقه الذي مازلنا نعيش في كنفه، وفي ظلاله لساعات قادمة،..، إلا ان لدينا العديد من الأمنيات للعام الجديد، تتوافق في مجملها مع ما يعتمل في عقول وقلوب عامة الناس وخاصتهم من ابناء مصر، وتعبر في حقيقتها عن تطلعاتهم وطموحاتهم في العام الجديد، الذي بدأت بشائره تدق علي الأبواب الآن. ومن الطبيعي أن يكون في مقدمة ذلك ما يتمناه الكل، بأن يكون وطننا جميعا أكثر أمنا واستقرارا، وأن يكون كل الناس فيه، أفضل حالا، وأهدأ بالا، وأكثر اقترابا من تحقيق طموحاتهم في عام 1102 الذي بدأت بواكيره تلوح في الأفق، وأخذت شمسه تستعد للبزوغ من وراء أستار العام الحالي، الذي أخذ يلملم أوراقه في عجالة، للرحيل عن عالمنا. وإذا كانت تلك هي عموم الامنيات لكل الناس في وطننا، فإننا لابد أن نضيف إليها في صراحة ووضوح أن كل مواطني مصر المحروسة لهم مطالب يريدونها أن تتحقق في العام الجديد، وأن الأمر لا يتوقف لديهم عند مستوي الأمنيات فقط، بل انهم يرون في هذه المطالب حقوقا تقع علي الحكومة مسئولية الوفاء بها، وتحويلها إلي واقع.
وفي مقدمة تلك المطالب ان تبدأ الحكومة وفورا في التنفيذ الجدي للتكليفات التي ألزمهم الرئيس مبارك بتنفيذها خلال المرحلة المقبلة، والتي تشمل رفع معدلات النمو تدريجيا ليصل إلي 8٪، وخلق المناخ المواتي لتشجيع الاستثمار، وفتح الباب واسعا امام اقامة المشروعات وزيادة فرص العمل، والتصدي لمشكلة البطالة، والنهوض بأوضاع الفلاح، وتحسين الأجور، والسيطرة علي الأسعار، والتصدي لجرائم استغلال السلطة، ووقف التعدي علي المال العام، وتحقيق نقلة واضحة في جودة التعليم، وتوسيع دائرة العدالة الاجتماعية، ومد مظلة التأمين الصحي لجميع ابناء مصر، ومضاعفة المستفيدين من الضمان الاجتماعي، وزيادة دعم الاسر الاكثر احتياجا، والتوسع في اللامركزية، وتعزيز الرقابة الشعبية. وفي هذا الشأن يدرك عموم المواطنين وخاصتهم، ان تلك التكليفات التي تعهدت الحكومة بتنفيذها، تحتاج إلي اكثر من عام للوفاء بها، ولكن الناس تريد ان تري وتلمس تحركا فاعلا وعاجلا من الحكومة خلال العام الجديد، الذي يبدأ خلال ساعات، علي طريق التنفيذ والوفاء بالعهد. ولابد ان ندرك ان سقف التوقعات والطموحات اصبح مرتفعا عند جميع المواطنين في مصر، وهذا حقهم، وهذا ايضا طبيعي، ولذلك فإنهم يريدون ان يروا الحكومة تبدأ وبقوة في العام الجديد بتحقيق جميع المتطلبات اللازمة للبدء في تحقيق الانطلاقة الاقتصادية الكبري التي أعلن الرئيس مبارك عنها، والزم الحكومة بتنفيذها، والتي تقوم علي إعادة صياغة دور الدولة لتلعب دور المنظم للنشاط الاقتصادي، ومراقبته مع اعطاء الفرصة كاملة للقطاع الخاص للمشاركة في خطة التنمية، والعمل علي جذب الاستثمارات المحلية والعربية، والدولية.
ولابد ان تدرك الحكومة ان جميع المواطنين يريدون منها اداء افضل، ويأملون ان تستطيع الوفاء باحتياجاتهم في جميع المجالات، الانتاجية والخدمية، وان تتخذ جميع الاجراءات والتعديلات التشريعية والإدارية اللازمة لإطلاق طاقة الابداع والابتكار والمنافسة لدي ابناء مصر، وفي المقدمة منهم الشباب. وينتظر جميع المواطنين ان تعمل الحكومة بإخلاص للحصول علي رضا الجماهير، عن طريق انجازات واضحة، ومحسوسة، وان تتمكن من التغلب علي أزمة الثقة القائمة بين المسئولين التنفيذيين، وعموم الناس، وذلك عن طريق المزيد من الشفافية،..، ونحن ندرك ان أزمة الثقة تلك، ليست وليدة اليوم، أو الأمس القريب، بل هي إرث قديم ومتراكم لا يعود في جملته وتفصيله إلي حكومة الدكتور نظيف، أو ما قبلها، ولكنه يعود في حقيقته إلي العلاقة التاريخية والقديمة بين المواطن المصري، ودواوين وهيئات السلطة التنفيذية بصفة عامة. ورغم إدراكنا لذلك،..، إلا اننا ندرك في ذات الوقت ان علي الحكومة الحالية ان تبذل المزيد من الجهد، كي تحصل علي ثقة المواطنين، وذلك بالوصول إلي اقناع المواطنين عمليا بأن مهمتها الأساسية هي رعايتهم وخدمتهم، وتوفير أفضل الخدمات والمرافق لهم ولأسرهم، وانها تبذل أقصي الجهد لكسب ثقتهم بالمصارحة والشفافية وإعلان الحقيقة وإتاحة المعلومات، لأن تلك هي الوسيلة الفعالة لإقناع المواطنين بالمشاركة الفعالة للنهوض بالوطن.
وأحسب أننا ندرك جميعا، انه علي الرغم من انتهاء عام 0102 إلا لحظات أو سويعات قليلة، إلا ان هذا لا يعني اطلاقا بأننا يمكننا التنبؤ أو التكهن بأن ذلك يعني بأننا سنري نهاية لمشاكلنا وقضايانا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بنهايته، واننا سنري في العام الجديد، الذي بدأت ملامحه تظهر وتتشكل، وما هي إلا لحظات وتسفر عن وجهها، عاما خاليا من هذه المشاكل وتلك القضايا،..، ذلك بالقطع لن يحدث بين يوم وليلة، أو بين لحظة وأخري. بالطبع كنا نرجو ان يكون الأمر علي غير ذلك، وأن ندخل إلي عتبات العام الجديد، الذي يبدأ بعد منتصف الليلة، ونحن أكثر تحررا من المشاكل التي تعوق حركتنا، وتقيد نمونا، وتحد من انطلاقتنا نحو النهضة الشاملة،..، وبالقطع نحن نأمل ونتمني ان نتمكن في عام 1102 من التغلب علي هذه المشاكل، وان نعالج تلك القضايا بما يحقق مصالحنا العامة والخاصة في ذات الوقت. وفي هذا الخصوص، لعلنا لا نأتي بجديد إذا ما قلنا انه من الطبيعي ان ينقل العام المنصرم، إلي العام الجديد جميع الموضوعات والقضايا التي حفل بها، طوال شهوره، وأسابيعه، وأيامه، التي أوشكت علي الانتهاء، وبات رحيلها امرا واقعا لا محالة خلال سويعات قليلة،..، ولذلك فإننا نستطيع القول بثقة بأنه لا محل علي الاطلاق لتوقع ان نري عاما جديدا خاليا من المشاكل والقضايا التي عانينا منها في العام الذي سبقه،..، ونضيف إلي ذلك ايضا ان علينا ان نواصل الجهد والعمل المكثف للتعامل مع جميع الملفات دون ملل أو هواده.
وأحسب ان تلك هي طبيعة الأشياء، وطبائع السنين والأيام، فالزمن حبل متصل لا انقطاع فيه، مستمر دون انفصال، مترابط ومتشابك في سلسلة واحدة متعددة الحلقات، تضم في سرمديتها وسريانها احداثا ووقائع، وتطلعات وأمنيات وأحلاما، تمثل لكل منا الماضي، والحاضر، والمستقبل، وهي بالنسبة لنا وللعالم الأمس، واليوم، والغد. لذلك، فإن علينا ألا نتوقع عاما جديدا مختلفا في شكله أو مضمونه، أو محتواه عما سبقه كلية،..، فهذا في الحقيقة، نوع من الإغراق في الأماني، صعبة المنال، كما انه نوع من الهروب بعيدا عن الواقع المعاش في عالم البشر علي الأرض. ومن هنا نستطيع التأكد بأن عام »0102« الذي يتأهب لمفارقتنا اليوم إلي غير رجعه، قد بيت النية، وعقد العزم علي ان يصدر للعام الجديد »1102« جميع القضايا والمشاكل التي طفحت علي سطحه طوال أيامه ولياليه، سواء ما تفجر منها خلاله، أو تلك التي ورثها عن الأعوام السابقة عليه.
والآن،..، لا اعتقد أن أحدا منا لا يتمني أن يكون العام الجديد مليئا بالخير والسعادة له ولكل الناس،..، ولا أتصور، أن أحدا منا لا يأمل أن يكون »1102« أفضل وأكثر أشراقا من »0102«،..، وأن يكون عاما للحب والسلام والرفاهية لكل البشر. ولكني أقول في ذات الوقت، إن الأماني وحدها لا تكفي، وإن الآمال وحدها لا تحقق هدفا، ولا تخلق واقعا جديدا ومغايرا،..، ولكننا يمكن أن نحقق ما نريده بالعمل الجاد، والجهد المتواصل،..، وأن ذلك هو الطريق الذي لا طريق غيره لتحويل الحلم إلي واقع.