يبدو انه مازالت هناك ثغرات في عملية التعامل مع حالة الانفلات في حركة اوتوبيسات السياحة بمصر وهو أمر يؤدي الي تعرض السياحة - صناعة الأمل - لضربات موجعة يروح ضحيتها العديد من ضيوفنا السياح. اخشي ما أخشاه ان تتحول هذه المشكلة الي وسيلة لاجهاض نمو هذه الصناعة وحرماننا من عائدها الاقتصادي المتصاعد من خلال بث الخوف في نفوس السياح العاشقين لمصر وكذلك منظمو الرحلات المتعاملون. من الطبيعي وكما يحدث في كل انحاء العالم ان تقع مثل هذه الحوادث لاسباب خارجة وطارئة.. ولكن وللاسف فإن وقوع هذه الحوادث في مصر أصبح يتسم بالتكرارية حيث لم يعد تمر اسابيع قليلة إلا ونشهد واحدة منها. ورغم الاجراءات التي تم اتخاذها من جانب وزارة السياحة واتحاد الغرف السياحية لتحقيق الانضباط اللازم في هذا المجال فإن سيل هذه الحوادث لم يتوقف.
إن كل الشواهد والتحقيقات تؤكد ان العنصر البشري - وليست وحدة النقل »الاوتوبيس« - هو المسئول بشكل اساسي عن معظم هذه الحوادث. لا معني لهذه الحقيقة سوي ان هناك سوء اختيار للسائقين من جانب شركات السياحة في اطار اسناد مهمة القيادة لعناصر تحصل علي اجور متدنية بغرض تحقيق المزيد من الارباح. ولا جدال ان هذا التصرف يدخل ضمن عدم المبالاة بتوفير الجودة للخدمة السياحية التي تعد عنصرا أساسيا لتعظيم النجاح. من ناحية اخري فقد يكون السائقون علي درجة عالية من المهارة ولكن الاهمال سواء من جانبهم أو من جانب الشركة التي يعملون بها والتي لا تتيح لهم توفير ساعات الراحة اللازمة هو الذي يقود الي هذه الحوادث. ان السائق وتحت هذه الضغوط يفقد في لحظة واحدة السيطرة علي الاوتوبيس نتيجة غياب حاسة الملاحظة التي تجعله يتجنب الاصطدام بأي عائق يفاجئه علي الطريق الذي يسلكه.
لقد سبق لي ان تناولت قضية حوادث اوتوبيسات السياحة في مقال نشر يوم 2 ديسمبر الحالي عقب الحادثين المروعين المتواليين في اسبوع واحد اللذين راح ضحيتهما عدد من السياح الروس الذين تحتل الاعداد الوافدة منهم حاليا نسبة 02٪ »5.2 مليون سائح« من عدد السياح الوافدين . أشرت في هذا المقال الي قيام وزير السياحة الروسي بلفت نظر المستشار السياحي المصري الي خطورة تكرار هذه الظاهرة طلب منه ان ينقل الي القاهرة ضرورة ان تكون هناك رقابة صارمة علي حركة المرور وعلي سائقي المركبات السياحية.. وفي هذا المقال لم يكن أمامي سوي أن اشيد وأرحب بقرار زهير جرانة وزير السياحة لوقف أعمال الشركة السياحية التي يتبعها الاوتوبيس الذي ارتكب هذا الحادث داعيا الي ان تكون المحاسبة القضائية لها اكثر صرامة وشدة حفاظا علي ركيزة هامة رئيسية للاقتصاد الوطني.
وانطلاقا من المسئولية والحرص علي الانطلاقة السياحية والعمل علي ألا تضيع جهود تنمية صناعة السياحة هباء لاستمرار مسلسل حوادث الاوتوبيسات السياحية فقد كان طبيعيا أن يتناول الاجتماع السنوي لاتحاد الغرف السياحية برئاسة أحمد النحاس يوم الاثنين الماضي حوادث الاوتوبيسات السياحية وانعكاساتها السلبية علي حركة السياحة الواعدة الي مصر. كانت اثارة هذه القضية فرصة لرئيس وحدة التدريب في اتحاد الغرف حسين بدران ليتحدث عن برامج التدريب التي يشارك في تفعيلها عدد من الخبراء والمدربين الاجانب والتي تمولها وزارة السياحة وتستهدف الارتفاع بمستوي جودة الخدمات السياحية. قال انه يجري في الوقت الحالي الاستعداد لافتتاح مركز تدريب السائقين وان المشروع حاليا في مرحلة اختيار المدربين بمساعدة الخبرة الاجنبية في هذا المجال.
وفي اطار المناقشات التي دارت وتناولت الحوادث الاخيرة لوحدات النقل السياحي واخرها حادث طريق ابوسمبل - اسوان الذي راح ضحيته ثمانية من السياح الامريكيين و82 مصابا اعلن هشام زعزوع مساعد أول وزير السياحة وعضو مجلس ادارة الاتحاد عن وجود غرفة عمليات لوزارة السياحة لمراقبة حركة الاوتوبيسات عن طريق جهاز G.P.S وانه سوف يكون هناك اتصال مباشر لهذه المركبات في حالة تجاوزها للسرعة المقررة. وقال انه في حالة المخالفة للتعليمات سوف يتم ارسال تقرير بذلك الي شركة النقل التابعة لها المركبة. مضيفا أنه سيتم توقيع عقوبات فورية عليها.
بالطبع فإن هذه الاجراءات وهذه التصريحات لن تعيد الي الحياة السياح الضحايا لهذه الحوادث كما انها لن تزيل حالة الخوف والرعب التي انتابت المصابين. وهنا اقول انه من سوء حظ السياحة المصرية ان تطول هذه الحوادث المشئومة السياح الامريكيين الذين شهدت اعدادهم في السنوات الاخيرة زيادات محسوسة بعد فترة من التراجع. مرة اخري اقول ان ما يحدث يتطلب حسما وحزما اكثر تجاه عمليات الاستهتار بأرواح السياح ولابد ان يكون هناك مزيد من التدقيق في اعطاء رخص مباشرة النقل السياحي وكذلك في اختيار السائقين المؤهلين لقيادة المركبات السياحية. هذا الأمر لا يمكن ان يتم دون تنسيق وتعاون مع أجهزة المرور ووزارة الداخلية التي يجب ان تتحمل جانبا من مسئولية مراقبة حركة هذه المركبات علي الطرق واتخاذ اعنف الاجراءات ضد المخالفين. في هذا المجال لابد أن يدرك الجميع ان تفاقم هذه الظاهرة قد زاد عن الحد وان عدم التصدي الجدي لها سوف يكون له تداعياته المأساوية علي صناعة السياحة.