رفض برلمان جماعة الإخوان إقرار محاكمة مبارك طبقا لقانون «الخيانة العظمي» الصادر سنة 1956، وربما بإحساس غريزي أن الدور قد يأتي علي قادة الإخوان ربما لايصح افتعال حالة تفاؤل بتشكيل البرلمان المقبل، فهو برلمان الثورة المضادة بامتياز، وهو برلمان «الفلول» بالتعبير السياسي الشائع، فالتحالفات الثلاثة الكبري التي يلح عليها الإعلام، لاتخفي «فلوليتها»، واعتمادها بالأساس علي إنفاق سخي من المليارديرات والتوابع، والذين يسعون جهارا نهارا لشراء مقاعد البرلمان، ولصالح «فلولية أصلية» ظاهرة في التحالف من حول حزب الملياردير الهارب أحمد شفيق، أو لصالح «فلولية مراوغة» في تحالف آخر من حول حزب الملياردير السيد البدوي، بينما يزايد الملياردير نجيب ساويرس، ويعرض الأسعار الأعلي، وبتكلفة مبدئية قد تصل إلي المليار جنيه نقدا وعدا (!). وتبدو المفارقة ظاهرة، فهؤلاء المليارديرات المتلهفين المتسابقين المزايدين في عملية شراء البرلمان، هم أنفسهم مع أمثالهم الذين لا يبدون تجاوبا يذكر مع مبادرة «صندوق تحيا مصر»، ولا مع دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي لدفع مئة مليار جنيه بصورة فورية، وفضلوا لعبة شد الحبل، والتربص باختيارات الرئيس ورغبته في رد الاعتبار لدور الدولة، وإلي حد التبجح والتمرد العلني، والادعاء بأن أموالهم من حقهم وحدهم، وأن أحدا لايستطيع إجبارهم علي الدفع، وهو ما دفع الرئيس السيسي لاشهار «الكارت الأحمر» في وجوههم، وتوجيه إنذاره الشهير الأخير «هتدفعوا يعني هتدفعوا»، وهو الإنذار الذي ينتظر سواد المصريين ساعة تنفيذه، ويتطلعون إلي حسم الرئيس المدعوم بتأييد شعبي كاسح. وقد تبدو التشكيلات السياسية الانتخابية مختلفة الأسماء، لكنها متفقة في جوهر الاختيار السياسي الاقتصادي الاجتماعي، وهو الدفاع عن مصالح طبقة المليارديرات وجماعة البيزنس، والتي راكمت ثرواتها بسرعة صاروخية في النصف الثاني من زمن حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، وبطرق تنتسب في غالبها إلي معني الإثراء الحرام، بتداخل السلطة والثروة والإعلام، وبتشريعات النهب العام التي صدرت عن مجالس ديكورية مزورة، وبصفقات الخصخصة التي تحولت إلي «مصمصة»، وبإعفاءات جمركية وضريبية عبثية، وبمنح تخصيص أراضي الدولة بتراب الفلوس، وبعلاقات «العروة الوثقي» مع عائلة مبارك أبا وأما وإبنا، وبشفط السلطة والثروة، وبتزاوج الاقتصاد الأسود مع الاقتصاد الرسمي، وبفساد ذمم وضمائر الجهاز البيروقراطي، والذي تحولت المناصب الكبري فيه بالخصخصة المجازية إلي ماكينات بنوك تدر نقودا ومليارات، وبإفساح المجال للسيطرة علي المجال السياسي بإنشاء أحزاب من حول المليارديرات، ثم بالسيطرة التامة تقريبا علي المجال الإعلامي، وبالذات علي القنوات الفضائية الخاصة، والتي صارت ملكا شبه محتكر لجماعة مليارديرات المال الحرام، والتي أحنت الرأس لعاصفة الثورة الأولي في 25 يناير 2011، وتظاهرت بنصرة الثورة لتنجو من المقصلة ويوم الحساب، ثم سعت إلي مد خيوط الشراكة مع مليارديرات الإخوان زمن حكمهم القصير العاجز، وحين بدا أن الشراكة قد لا تفلح، وأن جماعة الإخوان كالفريك لا تحب الشريك، حاول مليارديرات مبارك ركوب موجة ثورة الشعب المصري ضد الإخوان في 30 يونيو 2013، وسعوا لانتحال صفة ثورة 30 يونيو، تماما كما يفعل الإخوان بانتحال صفة ثورة 25 يناير، مع أن الثورة لا تقبل القسمة، فلولا ثورة 25 يناير ما كانت ثورة 30 يونيو، وقد خلع الشعب المصري حكم الإخوان لأنه يشبه في صفاته اللعينة حكم مبارك، فقد باع الإخوان نفس بضاعة مبارك مع لصق «تيكيت إسلامي» عليها، وأهانوا الإسلام والثورة معا. نعم، جماعة المخلوع مبارك تشبه تماما جماعة المعزول مرسي، كلاهما أزاحته ثورة الشعب المصري في موجاتها المتصلة، وكلاهما جماعتان للثورة المضادة، وقد سيطرت جماعة الإخوان علي أول برلمان بعد ثورة 25 يناير 2011، تماما كما تسعي جماعة مبارك لسرقة أول برلمان بعد ثورة 30 يونيو 2013، وكلاهما يصف الثورة بأنها مؤامرة، جماعة الإخوان تصف 30 يونيو بالمؤامرة، وجماعة مبارك تصف 25 يناير بالمؤامرة، وهو ما يفسر حفاوة فضائيات المليارديرات بدفاع مبارك عن نفسه من داخل القفص، وتكرار إذاعة خطاب المخلوع لساعات وأيام من البث علي الهواء التليفزيوني، ثم طلب جماعة الإخوان أن يعامل المعزول كما عومل المخلوع، وما من وجه للتعجب، فلا جماعة المليارديرات تتصور أن يعود مبارك للرئاسة، ولا جماعة الإخوان تتخيل أن يعود مرسي، بل هو التكامل المنطقي بين الجماعتين، وقد رفض برلمان جماعة الإخوان إقرار محاكمة مبارك طبقا لقانون «الخيانة العظمي» الصادر سنة 1956، وربما بإحساس غريزي أن الدور قد يأتي علي قادة الإخوان، وضمان محاكمات عادية لا ثورية لهم تماما كمحاكمة مبارك، وعلي أمل تبرئة مرسي بعد تبرئة مبارك، فقد تقاسمت الجماعتان أولوية السيطرة علي السلطة والمجتمع زمن مبارك، وتريدان التناوب علي حكم مصر بعد الثورة، وبهدف تكريس ذات المصالح، وتثبيت اختيارات الولاء للأمريكيين وحفظ أمن إسرائيل ورعاية مصالح رأسمالية المحاسيب، وهنا جوهر التناقض مع اختيارات الثورة في ضمان الاستقلال الوطني والتصنيع الشامل والعدالة الاجتماعية، والتي يبدو الرئيس السيسي أميل إليها، وهو ما يفسر ضراوة حرب الإخوان ضد حكم الرئيس، ثم سعي جماعة الفلول بثرواتها التريليونية لاحتواء الرئيس، ووضع العصا في عجلات حكمه بالسيطرة علي البرلمان، بالاستفادة من النظام الفردي الذي يهدر إرادة غالبية الناخبين، وييسر عملية شراء الأصوات بالمال والبلطجة وعصبيات العائلات. وهكذا تبدو الصورة باختصار، رئيس بشعبية أقرب إلي الإجماع الوطني، وبرلمان مقبل مهدد بسيطرة الفلول وجماعات المصالح، و»ثورة يتيمة» لا تجد سندا سياسيا ينتصر لها إلي جوار الرئيس، وتناقض مرعب بين مشهد الثورة ومشهد السياسة، مشهد الثورة يخلع القلب فرحا، ومشهد السياسة يقبض الروح كمدا، وتسيطر عليه جماعات اليمين الديني والفلولي، بينما لم ينهض بعد حزب سياسي جامع لشتات الثورة، قادر علي الفوز في الانتخابات، ودعم اختيارات الرئيس المهددة بتزايد نفوذ مليارديرات المال الحرام وفلول الثورة المضادة.