بدأ الحزب الوطني الديمقراطي أعمال مؤتمره السابع امس، وقد اصبح المؤتمر علي مدي السنوات الماضية عيدا سنويا للحزب، يتم فيه الاحتفال بجهود عام من العمل السياسي والتنظيمي، والجديد هذا العام ما اسفرت عنه الانتخابات البرلمانية بعد استيعاب الحزب لاستراتيجية التحالفات الانتخابية في الدوائر وإدارتها بنجاح غير مسبوق، ادي إلي فوز الحزب بالاغلبية.. »شبه المطلقة« واصبح امام تحديات لحسم القضايا المطروحة والملفات المفتوحة بعد ان دانت له الاغلبية. المؤتمر فرصة سنوية لشرح سياسات الحكومة في مختلف مجالات العمل الوطني وجهودها التي تحتاج من حزب الحكومة، ومن هذه الفرصة الاعلامية السنوية لشرحها بأفضل مما يستطيع الوزراء القيام به كل في مجاله. اصبح عجز بعض الوزراء عن شرح سياساتهم في كثير من المجالات ظاهرة تجعل من الحكومة متهما بالتقصير بشكل دائم رغم وجود العديد من الانجازات، والكثير من التقدم في مجال الخدمات الاساسية ومحاربة البطالة وحتي في مجال الخصخصة، حيث تفشل الحكومة في كثير من الاحوال في طرح خياراتها والدفاع عنها حتي اصبحت النغمة السائدة انها تبيع مصر دون تمهل أو دراسة!! الحزب يستطيع تلافي هذه الاخطاء وعرض جهود حكومته علي الرأي العام، كذلك الاستماع إلي مقترحات كوادره وهذه القضية تمثل اولوية متقدمة علي جدول اعمال المؤتمر هذا العام، السياسات الرئيسية التي تهم المواطنين. إلي جانب اولويات الموضوعات التي سيناقشها المؤتمر قضايا لا تقل اهمية وهي التشريعات اللازمة لتنفيذ تعهدات الحزب في الدورة التشريعية الحالية، ابرزها قانون التأمين الصحي والاجتماعي وادارة اصول قطاع الاعمال العام واراضي الدولة والوظائف العامة. انشغال الحزب في الانتخابات البرلمانية ادي إلي تأجيل المؤتمر وهذا يعكس رغبة لدي القيادات في الحزب ان يكون المؤتمر مختلفا من حيث الاستعدادات وتحديد الملفات والقضايا التي سيطرحها. التحديات المطروحة علي المؤتمر تختلف عن تحديات المؤتمرات السابقة التي تأتي بعد فترة من الحراك السياسي الشديد الذي اسفر عن جدل غير مسبوق حول السياسات والخطوات التي اتخذتها الحكومة في عدة مجالات. علي الرغم من ان الكثير من القضايا سيظل محل بحث لان ملفاتها مفتوحة منذ سنوات فإن قضية الدعم وتمكين الطبقات الفقيرة مازالت تحظي بأولوية مطلقة ستفرض نفسها علي المؤتمر، ليس المطروح في قضية الدعم الحوار الذي شهدته في السنوات الماضية حول اهمية الدعم وضرورته والابقاء عليه أو الغائه وما إلي ذلك من نقاشات نظرية فيبدو ان الحزب قد حسم خياراته في هذه المرحلة لصالح الدعم في ضوء حقيقة وجود طبقات مستحقة للدعم بتغطية الفرق بين الدخل ومتطلبات الحياة. المطروح علي المؤتمر مشروعات وخيارات اقتصادية واجتماعية ليست وليدة اليوم وليست وليدة فترة التحضير لهذا المؤتمر وانما هي وليدة نتائج لسنوات من العمل الدؤوب لم يتوقف العمل فيها، واهم ما هو مطروح حاليا هو الارتقاء بنوعية التعليم والمستوي المهني للخريجين أو الانتقال بقضايا التعليم من خطوة الكم باعتبار ان التعليم حق للجميع إلي خطوة الكيف باعتبار التعليم الجيد ضرورة اجتماعية واقتصادية لا تنفصل عن قضية الاصلاح الاقتصادي ومعدلات النمو وهذا التحدي من اصعب التحديات التي تواجه الحكومة والحزب الآن، فالزيادة السكانية بمعدل يقترب من 2 مليون نسمة سنويا تفرض علي الدولة تدبير المدارس التي تستوعب هذا العدد من المواليد في نفس الوقت عدم الركون إلي فكرة الكم وان مجرد استيعاب هذا العدد في المدارس هو نهاية المطاف. في ظل المفهوم الجديد للتنمية لم يعد تدبير الاحتياجات في كل قطاع بمعزل عن الاخر هدفا، بحد ذاته، وانما اصبحت هناك منظومة من الاهداف التنموية العامة التي لا يمكن تحقيقها إلا من خلال التطوير المتزامن للمرافق والخدمات وعلي رأسها التوازن بين مدخلات ومخرجات التعليم التي يجب ان ترتبط بسوق العمل والمستهدف تحقيقه من النمو. في هذا الاطار يأتي الاهتمام بخدمات مياه الشرب والصرف الصحي في القري التي تعاني من النقص في هذا المجال وكذلك يأتي التخطيط العمراني للقري وتوابعها وتحسين خدمات النقل ، حيث يتسبب اهمال هذه الخدمة لسنوات عديدة في اهدار مساحات كبيرة من الاراضي الزراعية بالقري كما ان الفارق الحضاري الكبير بين القرية والمدينة وبين المحافظات والعاصمة كان السبب الاساسي وراء مشكلة الهجرة إلي العاصمة التي اوصلتها إلي الوضع الحالي من الزحام والتلوث الذي يكلف خسارة الملايين بسبب الفاقد الرهيب في ساعات العمل ومضاعفات هذا الزحام علي الصحة. اهم ما يميز مؤتمر الحزب كما ظهر في مقدماته المعلنة ان المطروح اما ان يتعلق هذه المرة بقضايا عملية ووقائع وارقام دخلت حيز التنفيذ وهذا يعطي مصداقية اكبر من الحديث عن قضايا نظرية ومباديء لا يعرف المواطن كيف ستتحقق علي ارض الواقع.. الان الحديث ينطلق من الواقع وهذا بحد ذاته كفيل بردم الهوة التي كانت موجودة بين المواطن والحزب وبينه وبين السياسة بشكل عام. الجدير بالاهتمام هو هذا التناغم في التفكير بين الحزب والحكومة رغم ان الحكومة تمثل الحزب وتترجم سياساته إلا انه كانت هناك مسافة بين طموحات الحزب وبين قدرة الحكومة علي التنفيذ، وهذا الفرق مفهوم ومبرر حيث ان الحزب يتوجه إلي الجماهير بطموحاته بينما الحكومة مرتبطة بالارقام التي قد تهتز تحت متغيرات الاسعار العالمية أو الكوارث وابواب الانفاق غير المتوقعة إلا ان هذا الفارق يجب ألا يكون كبيرا ومن الواضح ان الطرفين قد نجحا في تقليص هذه المسافة.