كعادة البريطانيين في حرصهم علي التقاليد الموروثة -جيلاً بعد جيل- تحرص هيئة البريد الملكية علي استمرار إصدار طوابع تحمل صورة -أو رسما، أو تمثالا نصفيا- لملكة بريطانيا: صاحبة الجلالة »إليزابيث II«. هناك -بالطبع- إصدارات أخري تحمل أشكالاً وصوراً للمشاهير، أو لأحداث تاريخية أو معاصرة -تُحسن هيئة البريد اختيارها وإخراجها جذباً لهواة جمع الطوابع - لكن صورة صاحبة الجلالة الملكة التقليدية تظل محتفظة بتألقها علي طابع البريد سنة بعد أخري. الجديد اليوم.. أن الحكومة البريطانية تنوي خصخصة هيئة البريد الملكية، بطرحها للبيع أمام المستثمرين المعنيين.. وما أكثرهم. هناك شركات بريطانية تعقد آمالاً واسعة علي شراء مصلحة البريد، وما تعتقد أن تدره عليها من أرباح طائلة ومضمونة. فليس هناك -في المستقبل المنظور- بوادر أخطار قد تقلل من إقبال المواطنين علي المراسلات والخدمات البريدية. فحتي الرسائل »الإيميلية« لن توقف كتابة الخطابات -بأقلام: الرصاص والجاف والحبر، أو علي الآلة الكاتبة العادية، أو الإلكترونية بعد طبعها علي الورق- وإرسالها إلي المعارف والأحباب والأعداء، وتلقي ردودهم بنفس الأسلوب وبواسطة »سعاة البريد« بزيهم المتميز، والمعروف. وما يقال عن الخطابات يقال أيضاً عن الطرود، بكل أنواعها وأحجامها. فحتي لحظة كتابة هذه السطور لم يتوصل مخترعو الحاسبات الالكترونية إلي وسيلة تمكن »الكمبيوتر« من تلقي الطرود وإرسالها -علي »النت« طبعاً- إلي أصحابها في أي مكان، وكل زمان، داخل البلاد أو خارجها، وبالتالي فلا مفر من الإبقاء علي تعاملاتنا مع البريد التقليدي، ومناشدة مصلحة البريد -بين الحين والحين- من أجل تحسين خدمتها والإسراع في تقديمها. ولعل هذا ما يطمئن رجال الأعمال علي أموالهم المنتظر دفعها لشراء مصلحة البريد البريطانية -بعد خصخصتها- وتولي إدارتها وتلقي أرباحها. القطاع الخاص البريطاني ليس وحده المعني بالاستحواذ علي مصلحة البريد الملكية. هناك شركات ضخمة -غير بريطانية- تنوي المنافسة والمزايدة -في المزاد العلني لشراء مصلحة البريد الملكية- ليفوز فيه من يدفع أكثر، بصرف النظر عن جنسيته، أو ملته! وقيل أن ال(DEUTSCHE POST) -هيئة البريد الألمانية- تعتبر المنافس الرئيسي للشركات البريطانية في الفوز بهذه الصفقة. جانب من الرأي العام البريطاني أبدي تحفظاً محدداً علي طرح ال (ROYAL MAIL) للبيع، ليس رفضاً للخصخصة -فما أكثر المواقع والقلاع والصروح الإقتصادية والصناعية التي باعها البريطانيون لأجانب بلا دمعة حزن واحدة- وإنما جاء التحفظ علي خصخصة »البريد الملكي - جروب« لأسباب عاطفية. رومانسية، بحتة. لم يتخوف المتحفظون علي خصخصة هيئة البريد من احتمالات تدهور الخدمات البريدية، أو رفع أسعارها، وإنما تركزت مخاوفهم علي احتمال اختفاء صور، وبورتريهات، وتماثيل، الملكة »إليزابيث II« من علي طوابع البريد! يتساءل البعض: »من يدرينا ألا يكون أصحاب الشركة الجدد من عتاة »الجمهوريين« الذين يكرهون »الملكيين«، ويسعون إلي إسقاط النظام الملكي البريطاني؟!«. ولا ينتظر هذا البعض جواباً عن سؤاله، وإنما يضيف قائلاً: »لو كانوا كذلك.. فإن أول قرار سيصدرونه هو وقف طبع، وإصدار، أي طابع بريد يحمل صورة الملكة!«. وتتضاعف مخاوف المحافظين علي حبهم للأسرة الملكية، وولائهم للنظام الملكي ورموزه، عندما تبين لهم أن عقد خصخصة هيئة البريد -تماشياً مع »العولمة« التي لا قلب لها -لم يتضمن أي شرط يُلزم المشتري بعدم المساس بالعادات والتقاليد الموروثة، والمتعارف عليها في الهيئة، منذ أن كانوا ينقلون »زكائب البريد« علي ظهور الحمير والخيول، وإلي اليوم!