د. أحمد نوار تقيم الآن الفنانة فاطمة عبدالرحمن معرضا خاصا يحمل عنوان «تحولات» بقاعة «الباب» الملحقة بالمتحف المصري للفن الحديث، حصلت الفنانة علي بكالوريوس فنون جميلة عام 1995 وكان ترتيبها الأولي بدرجة إمتياز، كما حصلت علي ماجستير الفنون الجميلة بعنوان «أعمال أوديلون ريدون في فنون الحفر والطباعة» عام 2002 واختتمت دراستها الأكاديمية بحصولها علي درجة الدكتوراة الفلسفة في الفنون الجميلة، بكلية الفنون الجميلة جامعة حلوان عام 2008 وتعمل الان استاذا مساعدا بقسم الجرافيك بنفس الكلية، وأقامت خمسة معارض خاصة بالقاهرة، كما إشتركت في خمسة عشر معرضا جماعيا في مصر، واحد عشر معرضا دوليا منذ عام 1997 وحتي 2014 بفرنسا والقاهرة والشارقة والجزائر وإسبانيا وكوبا والنمسا وإيطاليا، ولها مقتنيات بالمتحف المصري الحديث بالقاهرة، ومتحف الشارقة للفنون وشالمير بفرنسا، ولدي بعض الأفراد بالقاهرة، وحظيت الفنانة بالعديد من الجوائز المحلية وبعضها دولية يتضح من خلال الجوائز التي حصلت عليها الفنانة فاطمة عبدالرحمن.. كلها في مجال فن الرسم الذي تميزت وتفردت بأداء منقطع النظير وبدقة بالغة، وأعمالها الفنية في معظم المعارض كانت ومازالت لافتة للنظر وجاذبة ومحركة للمشاعر، والتأمل بدقة في أغوار خطوطها المتراكمة يكتشف بعدا انسانيا وغموضا يستدعي ثقافة الذات، للمحاولة نحو الإقتراب من رقة وسحر الدرجات الظلية التي تأخذ المشاهد الي عالم مكنون فيه طاقة شعورية بدون حدود، ونكاد نستشعر اجزاء من الجسد الإنساني في حالة تحول خيالي يبتعد كثيرا عن الواقع المألوف، أما معرضها الحالي يضم مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية بطلها النباتات، ويأتي من هنا التحول الذي اطلقته علي معرضها، تركت الجسد وذهبت الي الطبيعة لتعزف من جديد قيما جمالية بالغة الحس المرهف، وتحت عنوان «نبتات فاطمة عبدالرحمن وترانيم الوجد» كتبت الناقدة المحترفة الدكتورة هبة الهواري تقول «ألا يتكلمون في أحلامهم كلمات دون لسان؟ هكذا أتكلم في حال يقظتي، كل شعرة مني صارت بفضل حبك بيتا وغزلا، كل عضو مني صار بفضل نكهتك عسلا، جلال الدين الرومي- قدس الله سره» في الطريق لقراءة التجربة التشكيلية للفنانة فاطمة عبدالرحمن، وجدت ان تلك الطاقات الروحية الغامرة التي مكنتها من ذلك الفيض التشكيلي الغنائي، قد إمتد تأثيرها الجارف والوئيد في نفس الي الذات القارئة للنص التشكيلي. تلك التعاريق النباتية التي أنجزتها الفنانة مستخدمة فيها إستراتيجيات تقترب من الإرتجال اللحظي والتداعي الحر في إمتدادات طويلة زمنية قد تصل الي ثلاثين يوما أو يزيد في مثابرة التعاطي والتحاور والمشقة بين ذاتها والمسطح التشكيلي، مستخدمة نوعا وحيدا ومحددا من أفلام الحبر الجاف الخفيف اليابانية وأقلام الألوان الخشبية، علي ورق كرتون ذي ملمس خشن ثري ربما 300 أو 400جم ذي نقاط عالية الكثافة، إستخدمتها فاطمة ببراعة في تسلسلات من التكوينات الطبيعية النباتية. مقدمة الدكتورة هبة مثيرة وأكثر من رائعة كنت أود أن تسمح مساحة نهر الفن لنسخها بالكامل لأهميتها النقدية والتحليل المنهجي والعلمي لأعمال الفنانة، إذا كنا نشاهد عناصر نباتيه تسبح في الفضاء والبعض منها تنبثق منها ما هو كامن بداخل النبات في بنائيات تشكيلية تذكرنا بحركة التناغم الموسيقي المتتابع. وهذا الكمون الغامض تحتويه لفائف نباتية وكأنها تحتضن جنينا سيخرج الي النور، وسط هالة من الجينات المتحركة في الفضاء المحيط وبتفاعل حركي متجانس مدهش، وفي مجموعة من الأعمال الفنية تفاجئنا الفنانة بقوة الطبيعة عندما تلقي رياحها العاتية بالاشجار لتتساقط أو تقتلع من جذورها في حركة دافعة من أعلي اليمين الي اسفل اليسار وكأنها تذكرنا برياح الخماسين للممثل المصري العبقري مختار، مع فارق الزمان والمكان والمعني والقيمة الفنية، فقد تمكنت الفنانة من إمتلاك أركان الاداء الذي تحول الي وسيلة للتعبير دون عناء، وهذه صفة الفنان الاصيلة التي ترتكز علي مرجعية جديرة بالتطور الذاتي والقفز الي مراحل متقدمة في الانتاج الفني فكرا واداء، ومن الأعمال الفنية الهامة العمل الذي شكلته الفنانة علي هيئة جسد يظهر بنصف رأس الاذرع تكاد لا تري لحساسية الدرجات الظلية وتنبثق من بعض اجزاء جسمه أغوار ولفائف أفرع الشجر وكأنها أحشاء الجسد ولكن الأهمية تكمن في الحالة التعبيرية للعمل والمعالجة التشكيلية الدقيقة والإحكام العام علي هيئة الجسد بدون أي افتعال.. بل باٍقتدار- وكأنه يحمل عالم الفنانة ومكنونها النفسي والإنساني، ونهر الفن يهنيء الفنانة فاطمة عبدالرحمن علي معرض «تحولات» وننتظر من الفنانة أعمالا جديدة تتنوع فيها الأفكار والبناء التشكيلي لإعطاء بعد جمالي جديد، والفنانة فاطمة من الفنانين القلائل في مصر الذين يصرون علي ممارسة فن الرسم ووضعه في مصاف اللوحة الزيتية والتمثال كقيمة فنية.