د. محمد مختار جمعة وزير الأوقاف أمران في غاية الخطورة لا يمكن الفصل بينهما أو إغفال أثر أولهما في الآخر، هما: فوضي الفتاوي وفوضي الدماء. وأخطر ما في فوضي الفتاوي أحد أمرين: أحدهما: صدورها من غير المتخصصين أو من ليس لهم إلمام بقواعدها وأصولها أو حتي مبادئها الأساسية، ومن يدعون جهلا أنهم أهلها وأربابها، وظنوا أن شهرة بعض الأشخاص في مجال الوعظ والقصص والحكايات وألف ليلة وليلة قد يؤهلهم للفتوي علي الرغم من صعوبة مداخلها ومخارجها ومقوماتها. وأشد ألوان الجهل أن يجهل الإنسان أنه جاهل، وأن يتعالي علي العلماء، وعلي المؤسسات العلمية المحترمة المتخصصة، وهنا أُذكّر بقول أحد الحكماء: الأيام أربعة: يوم أجد من هو أعلم مني فأتعلم منه، ويوم أجد من هو أقل مني فأعلمه، ويوم أجد من هو مثلي فنتدارس العلم معاً، ويوم أجد من أقل وأجهل مني ويدّع أنه أعلم مني فأعرض عنه وهذا يوم راحتي. وإذا كان من المُجَرّم أن يعمل غير الأطباء بالطب، وغير المهندسين بأصول التشييد والبناء، وغير القضاة بالقضاء، فلماذا صار دين الله كلأً مباحًا لمن يعلم ومن لا يعلم، لمن كان متخصصًا ومن كان مدعيًا متسلقًا. الأمر الآخر والأخطر في مجال الفتوي: هو أن توجه أو توظف بعض الفتاوي حزبيًا أو مذهبيًا أو طائفيًا نتيجة لهوي بعض أصحابها أو لحساب من يوجهونهم من الداخل أو الخارج، أم من تنظيمات دولية لا تراعي سوي مصلحة تنظيمها الذي تدين له بالولاء وتُعلي هذا الولاء فوق المصلحة العليا للوطن. وقد يصاحبها بعض الشذوذ الفكري، فإن بعض من لا يجدون سبيلا إلي الشهرة والمجد إلا بالبحث عن الشاذ من القول، وتبنيه، والعمل علي تسويقه طلبًا للفت الأنظار ،فإن بعض من لا يملك القدرة علي الإقناع والتأثير العلمي يلجأ إلي ما يلفت النظر حتي لو كان شاذًا أو غريبًا علي المجتمع وثقافته وقيمه وأخلاقه وحضارته. ولا شك أن الأمرين السابقين قد أسهما في تغذية ودعم روافد الغلو والتشدد والتطرف والإرهاب، ومهدًا لما يُعرف بالتكفير والتفجير، فزادت العمليات الإرهابية والانتحارية والإجرامية مصحوبة في كثير من الأحيان باسم الدين وصيحات التكبير والتهليل، والدين منهم ومن أفعالهم براء. ونتيجة للتربية والتنشئة علي الجفوة والتشدد نشأت جماعات لا تعرف الرحمة ولا التسامح، ولا الرفق ولا اللين، إنما امتلأت قلوبها بالعداوة والبغضاء لكل من لا يرافقها في الدرب أو يجاريها في المسلك، بل اعتبروا من يخالفهم في كثير من الأحوال إما كافرًا، وإما فاسقًا، وإما منافقًا، وإما خائنًا، وإما غير وطني، وذهب بعض هؤلاء الغلاة المنحرفين إلي استباحة مال المخالف ودمه في ظواهر خطيرة وغريبة علي مجتمعنا، لكنها تُنذر بخطر داهم، ما لم يتكاتف المجتمع كله في تعريتها والأخذ علي أيديها بكل قوة وحسم .