الارتباك الشديد الذي يسود صفوف المعارضة السودانية، ليس وليد اليوم ولكنه يعود لسنوات طويلة سابقة، فهي حتي قبل أيام قليلة من الاستحقاق الانتخابي، لم تحسم امرها من المشاركة أو المقاطعة، والتعديل في المواقف وتبديلها اصبح يوميا، ومن ذلك الحزب الاتحادي الذي أعلن الانسحاب يوم الخميس الماضي كجزء من الالتزام بمواقف المعارضة ليعود بعد اقل من 84 ساعة ليقرر المشاركة والامة الذي طرح ثمانية شروط يدرك استحالة تحقيقها قبل الانتخابات كمحاولة للهروب من الاستحقاق الانتخابي هذا الارتباك » عرض لمرض« لا تود المعارضة السودانية الاعتراف به، او التعاطي معه، أوالعلاج منه، وهي أنها تعيش ازمة حقيقية، بدأت منذ أكثر من عقدين من الزمان. غابت تماما عن الساحة الداخلية، واكتفت بالعمل من الخارج، من القاهرة ونيروبي واديس ابابا، زادت فيه الفجوة بين القيادات حتي لو كانت تاريخية والقواعد الشعبية، وشهدت انقسامات مهمة وواسعة - مثلما حدث مع حزب الامة، والاتحادي وتنوعت مظاهرالازمة - التي نستطيع ان نتوقف عند بعضها. رغم كثرة تحالفات أحزاب المعارضة في الأونة الاخيرة سواء احزاب مؤتمر جوبا والتي تشكلت في سبتمبر الماضي. وتحالف الاجماع الوطني، والذي يضم 71 حزبا سياسيا لم تستطع عند الحظة الحقيقة الاتفاق علي مرشح واحد يحظي بتأييد أو اجماع من احزاب المعارضة لمواجهة مرشح حزب المؤتمر الوطني عمر البشير وقرر الصادق المهدي زعيم حزب الامة خوض الانتخابات وكذلك فعلها مبارك الفاضل من »الامة الاصلاح والتجديد« أو»الاتحادي« حاتم السر وزعيم الحزب الشيوعي محمد ابراهيم نقد اما حسن الترابي فقام بترشيح قيادة جنوبية هو عبدالله وينق نيال، ناهيك عن الحركة الشعبية التي طرحت ياسر عرمان، وكان من الممكن ان يمثل مرشح واحد للمعارضة منافسة قوية للبشير. لم تقتصر خلافات المعارضة عند هذا الحد، ولكنها افتقدت الحد الادني في التنسيق وراجت أحاديث كثيرة، عن تحالفات وصفقات، بين حزب المؤتمر الوطني واحزاب المعارضة ابرزها الحركة الشعبية، ونتج عنها انسحاب مبكر لمرشحها ياسر عرمان خاصة وأن شريكي الحكم يدركان تماماً نقاط الضعف والقوة في مواقف كل منهما فهناك أبناء عن وجود اتفاق غير معلن وتنسيق بين المؤتمر والحزب الاتحادي مقابل حصول الاخير علي 5 وزارات في الحكومة الجديدة، ومناصب اخري. ان احزاب المعارضة افتقدت في مواقفها للموضوعية، فهي منذ سنوات تنتقد غياب الشرعية عن حزب المؤتمر الوطني، وتطالب بالانتخابات والاحتكام للشارع والصندوق، ولا معني علي الاطلاق للحديث عن المقاطعة أو التأجيل إذا لم يتم الاستجابة لشروط طرحتها. كما أنها اخطأت عندما جعلت من المفوضية العامة للانتخابات هدفا لحملاتها، لتغطية فشلها المتوقع، خاصة وأن المفوضية تتشكل من مجموعة من المستقلين، والشخصيات المعروفة تاريخيا بالحياد كما أنها تملك ردوداً مقنعة، علي كافة الاتهامات ، بأنها اصبحت جزءا من الحزب الحاكم، وعلي سبيل المثال لا الحصر الاتهام الخاص باللجوء الي شركة صك العملة السودانية، لطبع بطاقات الانتخابات. حقيقة الامر ان المفوضية اجرت مناقصة عالمية تقدم لها 91 شركة استبعد منها 01 وبقيت 9 شركات اختير منها ثلاث، بريطانية، وجنوب افريقية، والثالثة من سلوفنيا والأخيرة لم تلتزم بموعدها - فتم استبادلها لضيق الوقت بالمطبعة الحكومية، وهي مفتوحة للمراقبة. كما أن صناديق الانتخابات صنعت في الدنمارك ، وهناك تأمين في فتحها وإغلاقها كما أن عدد مراقبي الانتخابات يصل الي 002 الف معظمهم من منظمات المجتمع المدني السوداني وآخرين من دول اوروبية عديدة وفي مقدمتهم مركز كارتر. إن المعارضة لم تستطع جذب اوروبا وأمريكا إلي جانبها أو اقناعها بمواقفها الداعي لتأجيل الانتخابات، ولعل موقف المبعوث الامريكي اسكوت غربيشن هو الابرز في هذا المجال، الذي امتدح اداء المفوضية،، وأيد اجراء الانتخابات. كما أن المعارضة تدرك أنه وفقا للنظام الانتخابي فقد انتهت مهلة الانسحاب في 21 فبراير الماضي. وبعد.. فالاحداث مفتوحة في السودان علي كل الاحتمالات، ولكن ليس من بينها تأجيل الانتخابات.