بعيد هزيمة 7691، نشر كاتبنا وضمير أمتنا أحمد بهاء الدين مقالا بالمصور، قال فيه إن الصراع بيننا وبين إسرائيل صراع حضاري، كان الكاتب، المهموم بقضايا وطنه حتي انفجر مخه من هذا الهم، يريد للدولة المصرية، وللنظام الناصري الذي كان من أنصاره المفكرين المستنيرين، أن يأخذ بكل أساليب ومعطيات العلم، لكن دعوة بهاء قوبلت بعاصفة من الاستنكار قادها كتاب سياسيون مرتبطون بجناح قوي في السلطة، تحت شعار: لا صوت يعلو فوق صوت المعركة. لكن.. بينما كان ذلك هو الحال علي الجبهة السياسية المدنية، كان جمال عبدالناصر، علي الجبهة العسكرية يأخذ - عمليا- بما نادي به بهاء: فيعيد - مع القيادات العلمية- بناء القوات المسلحة، وتسليحها، وتدريبها، وتطعيمها بعمليات حرب الاستنزاف.. مستخدمين كل الأساليب العلمية، وواصل السادات ذات النهج، وحققت قواتنا المسلحة في تحضيرها لحرب أكتوبر مستوي حضاريا، ديمقراطيا، رائعا، أوصلها إلي انجاز العبور المعجزة.. بكل ما صحبه من بطولات فذة، مع تعبئة شاملة وفعالة لكل مواردنا البشرية والاقتصادية والمعنوية. كانت كلمة السر في ذلك كله هي الأخذ بالأسلوب العلمي: وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، الايثار وليس الاستئثار تقدم القادة للتضحية وحماية الآخرين، الاستماع لكل فكرة جديا، والأخذ بأفكار أصغر الأشخاص ما دامت مفيدة، التنسيق والتكامل، وليس التنافس وادعاء البطولة ذوبان الكل في واحد هو الوطن. الذي جعلني استرجع كل ذلك هو ما كتبه العالم المفكر الأديب الدكتور محمد السعدني في »الأخبار« الأربعاء 8/21 لمس الدكتور السعدني زاوية شديدة الحساسية هي علاقة الارتقاء العلمي بمستوي التحقق الديمقراطي. طبعا يدرك الدكتور السعدني، أنه كلما كانت الديمقراطية أوسع، كان النهوض الوطني أكبر وأفضل.. لكن النهوض الوطني، بالعلم والبحث العلمي، لا يتحقق فقط، ودائما، باكتمال الديمقراطية.. وإنما له محركات أخري، قد تسعفه وتعوضه عن نقص، أو حتي غياب الديمقراطية، فنهضة المانيا في ظل نازية هتلر، قامت علي اشعال النعرة الوطنية، وشعار ألمانيا فوق الجميع، طبعا انتهت إلي الهزيمة المريرة، لكن بعد ان اظهرت معجزات هائلة، بينما تجربة ماليزيا مهاتير محمد التي لم تكن ديمقراطية ليبرالية، استندت في نهوضها علي تحقيق تحسين نوعي في حياة الشعب، مع تحكم ايجابي في التعليم والبحث العلمي، حقق نتائج باهرة. وتجربتنا الناصرية تقدم الكثير في ذلك، مما هو معلوم لنا جميعا، متسلحة بروح وطنية مصرية عالية، واحياء ملهم للمشاعر القومية العربية. إن ما قصده الدكتور السعدني، وانا معه، ان تعطي القوي السياسية ومنظمات المجتمع المدني، اهتماما أكبر للعلم والبحث العلمي.. لأن التقدم العلمي، الذي يري أنه كائن حي بذاته، له آليات نموه المستقلة، نسبيا، عما يحيطه، هو نفسه أداة فعالة في التطور الديمقراطي. أما أنا، كمواطن بسيط، فأطلب فقط الحد الأدني من العلم: اتباع الأساليب العلمية في حياتنا.. التي أخذت بها قواتنا المسلحة وأوردتها في البداية. والتي ان تأملناها سنجدها هي منظومة القيم الأخلاقية التي تحضنا عليها جميع الأديان السماوية.. وما نادي به جميع المصلحين العظام عبر الزمن..