رايت في أسوان نموذجا لبناة ولبناء حضارة جديدة.. شاهدت مثالا رائدا لمشروع البناء والتقدم في منظور الثقافة والفن.. رأيت نموذجا لمصر كما يجب ان تكون روحا وعملا.. شاهدت مشروعا بدأ بفكرة ثم حلم وأصبح الآن حقيقة وانجازا. الفكرة بدأت منذ اكثر من 19 عاما لعمل سيمبوزيوم للنحت بأسوان قاده عبر الزمن الفنان المبدع آدم حنين »الاستاذ والعلم والرمز« .. سيمبوزيوم اسوان الدولي للنحت هو تجمع لمجموعة من النحاتين من مصر والعالم من الرواد الجدد يكون عددهم من 10 الي 15 فنانا تقريبا يقومون بتنفيذ اعمال نحتية كبيرة ومتوسطة يقيمون لمدة أكثر من ستة اسابيع تبدأ في يناير وتنتهي في مارس بانتاج يتم اهداؤه لمصر.. يتم استضافة الفنانين في فندق وورشة عمل ويتبرع كل فنان بوقته وانتاجه.. وكان من الافكار الاولية هو ان يتم تجميل الميادين الرئيسية بمحافظات مصر واولهم محافظة اسوان.. ولكن نتيجة تراكم وتميز الاعمال عبر السنوات الاولي ولد حلم المتحف المفتوح وتم اختيار جبل مرتفع تحول عبر السنوات الي موقع به أكبر وأجمل اعمال نحتية في العالم من الجرانيت رمز الحضارة المصرية.. ورأيت المتحف منذ سنوات من العملاق الكبير آدم حنين والفنان الدكتور المعماري أكرم المجدوب والحاصل لمصر علي الجائزة الأولي في بينالي فينسيا... اري في كل منهم رموزا للاخلاص والعطاء والفن والوطنية والتواضع الكبير... وأذكر انني عشت منذ خمس أعوام حديثا حول حلمهم بتحويل الجبل وسطحه الي متحفا له طريق ومزارات وحجرات ومسرح وقمة ووادي... وبعد أكثر من خمسة سنوات عدت لزيارة المتحف المفتوح لمتابعة نتاج العام.. ففوجئت بفرقة من 50 اسوانيا في سفح الجبل فوق مسرح هي عدة سلالم ومجموعة اعلي الجبل من عشرة عازفين ومطرب ومجموعة تخرج عملا يكرر كلمة »الصلاة علي النبي« تنشد وتصفق وتغني في تناغم مايضيف للمكان الصامت احساسا ومشاعر ودعاء واصرارا للحياة والبناء والتقدم.. المشهد استوقفني لاسباب عديدة اولها: أحسست بكتيبة من الفنانين والمثقفين تهدي لمصر أول وأكبر متحف مفتوح في العالم، وثانيا: يزيد عدد الاعمال الكبري فيه عن 250 عملا يمتد علي ثلاث هضبات تري نيل مصر العظيم وتعلن - بلغة الجرانيت - مرة أخري بدء صياغة حضارة عصرية يشكلها الفنان مشاركة في مشروع البناء والتقدم، وثالثا: أحسست بفخر بريق عمل يتواصل عبر الزمن بدأ بآدم حنين ودعم ومشاركة من صلاح مرعي وفاروق حسني وصلاح مصباح وافتتحه باعتزاز ومؤازرة د. صابر عزب وزير الثقافة ومحمد ابوسعده وخالد جلال يقودون المشاركة في مشروع بناء وتقدم الوطن بلغة الفن والثقافة والسلام والمحبة، ورابعا: اجيال فنية تتوالد عدديا، وتتواصل زمنيا، وتتكامل نحتيا وبيئيا.. وسعدت بما ذكره آدم حنين عن اقبال الأجيال الجديدة علي تعلم النحت في الجامعات (لغة الكتابة للاجداد) وشاهدت ما أضيف لاسوان من عمالة وخبرات ماهرة، ومن تواجد وتشغيل رمزي للفنان والانتقال والعمل، وخامسا: استمرار العمل عبر 19 عاما في نفس الظروف الصعبة التي نعرفها وتحديها لكل معاول البناء، وخاصة محاولات الهدم المعنوي والعلمي للادارة المصرية خلال السنوات الثلاثة الماضية سواء بالسياسة او الارهاب، سادسا: احياء لفن الجرانيت المصري مرة أخري بدلا من استنزافه معماريا، سابعا: اعادة تشغيل محاجر اسوان كورش نحت بدلا من توقفها بانتهاء الحضارة القديمة، ثامنا: بناء جسر تواصل من فنانين من انحاء العالم ونجاح لما فشلت فيه السياسة والساسة، تاسعا: بدء الاعداد لتحويل اسوان لمركز عالمي للنحت علي الجرانيت، عاشرا: قيمة العمل الواحد تزيد عن نصف مليون جنيه اي ان ما أضيف ماديا لمصر تزيد قيمته عن 150 مليون جنيه في عام 2014 بالاضافة الي ما أضيف حضاريا ويعلن بدء حضارة جديدة تتراكم زمنيا وموضوعيا وتتواصل وتتكامل، والحادي عشر: المتحف المفتوح هو اضافة للفنون التي تجسد ضمير الانسانية ووجدان الشعوب هي هدية ورسالة من اسوان لمشروع البناء والتقدم العصري لمصر.. تحية لكل من يبني ويعمل ويتفاني لحياة افضل ومدينة أجمل نموذجا لمشروع الثقافة والفنون حان موعده لعصر جديد.