تسألني، كيف نصنع فرصاً جديدة للاقتصاد والإدارة تحقق طفرة في الناتج القومي العام وتسد الفجوة بين طموحات الثورة ونواتجها الهزيلة حتي الآن. والإجابة: بالفكر والتخطيط وتوظيف الكفاءات، إنها الإدارة الرشيدة لاستراتيجيات إنتاج وإدارة المعرفة والمؤسسات. بينما نعلن في بلادنا المحروسة بالرقص والأغاني عن السيارات والغسالات والضرائب والسمن والمنظفات، فإن الكثير من الشركات العالمية تعلن عن منتجاتها تحت عنوان "نحن نبني المعرفة"، وربما هذا هو جوهر الفارق بيننا. حمل الغلاف الداخلي لمجلة "فورتشن" الأمريكية عبارة تقول "سوف تصلح المجلة بالمعرفة ما أفسدته الخمر في العقول"، أما شركة فورد العالمية للسيارات فقد تصدرت إعلاناتها سيارة فاخرة كتب تحتها "إركب أفكاراً جديدة -مفهوم جديد للقيادة"، وتعلن شركة إيلي ليلي عن الأدوية التي تنتجها تحت عنوان "المعرفة دواء فعال"، أما شركات تكنولوجيا المعلومات مثل IBM وميكروسوفت فقد نصحها خبراء إدارة المعرفة باقتحام مجال بيع الأصول المعرفية مثل النظم المعلوماتية المتكاملة، الاستشارات، الصيانة، وتصميم الشبكات، حيث هذه المنتجات والخدمات المعرفية تمثل فرصتها للخروج من أزمتها الاقتصادية. إن ما يحرك السوق بصورة متزايدة هو الخدمات العلمية والحلول المعرفية وليس المنتجات التكنولوجية وحدها، وهكذا فالمعرفة يمكن أن تباع كمنتج أو سلعة، أو في شكل خدمات مهنية واستشارات. ولتكن هذه استراتيجيتنا الجديدة في إدارة الاقتصاد والمعرفة. إن نواتج المعرفة هي كل مانشتريه ونبيعه ونستعمله، بداية من الكوفي ماشين ورسائل ال SMS والفضائيات والإنترنت، وال MP3 وبريدك الإلكتروني، والفيس بوك، واليوتيوب، وغيرها من مستحدثات العلم والتكنولوجيا كالصراف الإلكتروني والفيزا كارد وجميعها من نواتج الإبداع والإختراع والإبتكار والبحث العلمي وتكنولوجياته المبهرة، إنها المعرفة. والمعرفة ياصديقي مثل ملابس النساء، يمكن أن تكون بسيطة أومتكلفة، محتشمة أو متبرجة، وإدارة المعرفة أشبه ماتكون " بالمقصدار" المحترف والذي يستطيع أن يختار الثوب المناسب لكل مقاس ولكل مناسبة. وإدارة المعرفة ليست هي الخطوة الأولي نحو إدارة مؤسسة ناجحة، بل هي الأخيرة. فالإدارة الجيدة لاستراتيجية سيئة أو غير موجودة فكرة عبثية، وربما هذه هي أكبر تحدياتنا ومشكلاتنا. يتفق معنا في هذا زميل هارفارد " توماس ستيوارت"، الذي يضيف أن إدارة المعرفة كانت هي الأساس الذي بنت عليه الشركات والمؤسسات الدولية نجاحاتها في ظل الاقتصاد العالمي الجديد، اقتصاد المعرفة، حيث قامت ببناء قواعد بيانات، وتنمية وتطوير رأس المال الفكري للمؤسسات، وبناء شبكات معلومات داخلية، وقيادة برامج تدريبية وتغيير النمط الثقافي للعاملين والمؤسسات، وإنشاء منظمات إفتراضية ومجموعات عمل وقوي تنظيمية في إطار الآليات الحديثة في الإدارة، من جودة شاملة وإعادة الهندسة، ووضع برامج تنفيذية لمخططات استراتيجية. والاستراتيجية في الاصطلاح العسكري هي أهداف بعيدة، ومخططات قريبة، وتكتيكات حالة وطارئة، تهدف بالأساس إلي إخضاع الخصوم والمنافسين، وهي شكل من أشكال صراع الإرادة ووسيلة فاعلة لتحقيق أهداف ومصالح وطنية عجزت السياسة عن تحقيقها، أما استراتيجيات إنتاج وإدارة المعرفة فهي شئ مختلف يصنع التميز كما يصنع القيمة. وكما يقول " بيتر دراكر" مؤسس علم إدارة المعرفة، إن التخطيط الاستراتيجي ليس بصندوق مليء بالحيل، إنه تفكير تحليلي والتزام بتفعيل كل الموارد والكفاءات. التخطيط الاستراتيجي ليس تنبؤاً بالغيب ولا عقلاً مسيطراً علي المستقبل، ونحن لانصدق إلا ما ننجزه من عمل وما نؤديه من مهام، والاستراتيجيات التي غالباً ما تنجح هي التي تضع في اعتبارها المشكلات والتحديات والفرص، وتعتمد علي أفكار ووسائل غير تقليدية تقوم علي الإبداع والابتكار، فتحرز التقدم وتساعد علي التحرك نحو شيء جديد تتبناه وتقدمه. في دراسة أجراها معهد ماكينزي عن الأمم الصناعية أوضحت بصورة قاطعة أن إنتاج العمال الأمريكيين يزيد عن انتاج العمال الألمان والفرنسيين بحوالي20٪ ويزيد علي انتاج العمال البريطانيين بأكثر من30٪ و ويزيد علي انتاج العمال اليابانيين بأكثر من 40٪ . وكما يقول خبير الإدارة العلمية الأمريكي "روبرت ووترمان"، فقد بلغت الدهشة بالباحثين في معهد ماكينزي العالمي من هذه النتائج حداً جعلهم يريدون معرفة السبب، فأجروا دراساتهم بمساعدة "روبرت سولو" من معهد مساتشوستس للتكنولوجيا والحائز علي جائزة نوبل في الاقتصاد حيث توصلوا إلي أنه لايمكن إرجاع التفوق الأمريكي إلي الفروق في التكنولوجيا، أو اتساع السوق، أوعمليات الإنتاج الاقتصادية الكبري، أوكثافة وتركيز رأس المال، أومهارة العاملين، فهذه العوامل واحدة بصورة أو بأخري في الأمم الصناعية الكبري، وإذا ماكانت هناك فروق فعلية فهي سرعان ما تتوازن، لأن رأس المال والتكنولوجيا والأفكار تنساب هذه الأيام بكل يسر وبساطة عبر الحدود بين الدول. وقد انتهي الباحثون إلي استنتاج أن السبب الرئيس وراء تفوق أمريكا علي الآخرين يكمن في الإدارة الرشيدة للمعرفة واستراتيجياتها التنافسية التي تعمل في ظل عدد أقل من اللوائح الحكومية، وقدر أكبر من الكفاءة والمرونة في الإدارة. وهكذا يمكننا أن نصنع فرصاً جديدة للإقتصاد والإدارة.