أصيبت الحركة الثقافية والادبية في العراق بنكسة جديدة بعد قرار محافظة بغداد إغلاق نادي الادباء المجاور لاتحاد ادباء وكتاب العراق وهو النادي الذي يعتبر الملاذ الآمن أو المنطقة الخضراء بالنسبة للادباء العراقيين الساخطين علي الاوضاع الاقتصادية والفكرية والامنية في ظل الاحزاب الطائفية والاحتلالين الامريكي والايراني. فهذا النادي ليس "باراً" أو حانة كما يحاول بعض المتطرفين وصفه، فهو كان الي جانب مواصفات أي ناد ملتقي للافكار والسجالات والابداع الذي يتيح لاعضاء النادي مناخاً من الحرية الشخصية التي لا تتعارض مع السلام الاجتماعي والحريات العامة. ويتجمع عدد لا بأس به من الادباء كل ليلة حول موائد صالة النادي في الشتاء وحديقته في الصيف. معظم الاسماء العراقية الشهيرة في عالم الشعر الحديث والشعر العمودي والقصة والرواية والنقد مرت من هنا. أقصد شاركت في جلسات لم تكن حول كئوس الطلا فقط. فما أكثر الجلسات الشعرية والندوات الثقافية التي تحلق حولها مثقفون عراقيون داخل أسوار نادي الادباء. ولذلك نظم اتحاد الادباء والكتاب العراقيين قبل أيام أول مظاهرة في تاريخ العراق والمنطقة تطالب باطلاق حرية تناول الخمور لانها جزء من الحريات الشخصية مادامت لا تتجاوز علي حقوق المجتمع. ورفع المتظاهرون لافتات تقول: "لا للخمينية ولا للطالبانية" في اشارة الي نظام خميني في ايران ونظام طالبان في افغانستان. وهي أول مرة منذ بدء الاحتلال الامريكي في عام 2003 تسير في شوارع العراق مظاهرات ضد "الخمينية" التي حاولت تغطية العراق بالعباءة الفارسية المتزمتة. كيف تتم مساواة نادي الادباء أو نادي الصحافة أو نادي المصورين أو نادي المحامين أو نادي المهندسين أو نادي الاطباء بالملاهي الليلية والحانات العامة؟ ما هي خطورة زجاجة منكر علي الامن الوطني والاخلاق العامة اذا احتساها شاعر أو روائي مع ادباء آخرين داخل أسوار ناديهم الخاص؟ وهذا الكلام ليس دفاعاً عن الشاربين وشرابهم ولكنه دفاع عن حقوق الانسان الشخصية التي يحاول البعض مصادرتها تحت شعارات لا نشكك فيها ولكن نشكك في نوايا من يرفعها. وبدلاً من اغلاق نادي الادباء ونوادي منظمات المجتمع المدني يا محافظة بغداد اغلقوا أوكار المخدرات بانواعها وأعيدوا للعراق نظافته من هذه الآفة المستوردة التي تعمدت ايران اغراق العراق بها بعد سقوط النظام السابق. وكانت قوة امنية تابعة لمحافظة بغداد قد داهمت النادي. وقال المتحدث باسم اتحاد الادباء ان انتهاك حرية النادي واجبار مديره الاديب المعروف الفريد سمعان علي توقيع مذكرة الاغلاق أمر مناف للقانون وينذر بكارثة انتهاك الحريات المدنية في البلد. وكان النظام السابق قد أصدر قراراً باغلاق الملاهي الليلية وحانات الخمور لكنه غض النظر عن بعض النوادي الاجتماعية لمنظمات غير حكومية مثل نقابة الصحفيين واتحاد الادباء. وكانت هناك ايضاً مطاعم تقدم المشروبات سراً. وأتذكر ان الرئيس العراقي الراحل صدام حسين طلب في أحد الايام قبل سنوات احضار مجموعة من الادباء الي القصر الجمهوري لمقابلته والاستماع الي رؤيتهم لواقع الحركة الثقافية في البلاد. فقيل لموظفي الرئاسة ان الادباء موجودون الآن, وكان الوقت بعد الظهر في مطعم اسمه "المرايا" فذهبت "اوتوبيسات" تابعة للرئاسة الي المطعم المذكور وهو في الواقع بار, واقتادت الادباء المتواجدين فيه لمقابلة الرئيس وهم سكاري! كاتب المقال: كاتب عراقي