لماذا ينتقل كل هذا الضجيج وتلك الاثارة من الجوامع والكنائس الي ضجيج محسوس الي عامة الناس في الشوارع والي تجسيد مرئي ومسموع ومكتوب في جميع أجهزة الاعلام. كيف نجح هذا الضجيج وذلك الصخب وتلك الاثارة في مزاحمة كل صور التعبير الصادق الهاديء لدي الناس في مصر عن عقائدهم بالامانة والصدق دون ضجيج ودون افتعال المواقف.... ودون إثارة تهدد دفء العلاقات والتسامح المعتاد بين الناس... حتي كاد ان يبلغ هذا الضجيج حدف التطرف المعلن المباح في العقيدة والسلوك علي حساب التسامح والمسئولية التي تساوي قيمة قوة الوطن والامانة مع النفس في الدفاع عنه. فهل تحولت مسألة حق العقيدة الفردية والتمسك بها الي فوضي العقيدة الجماعية والتعبير عنها والي مسألة قهر الجماعة لافرادها تحت سمع وبصر مؤسسات الدولة، فهل اسقط الشيوخ والقساوسة وبعض من السياسيين ووسائل الاعلام قيمة الحقوق الفردية لتحل محلها حقوق عقيدة الجماعة قهرا وغضبا واسقطوا الامن الاجتماعي وقيم تكافؤ الفرص بعد ثلاثين سنة من السلام والتنمية فوق الدستور والقانون والنظام والامن الاجتماعي. بل إن الاخطر من ذلك ان هذا الصخب الزائد يعطي دلالة خطيرة ان منهج الفتاوي الاسلامية والمسيحية المرئية والمسموعة والمقروءة المتدخلة الان في كل تفاصيل الحياة التي نظمها القانون من قبل كأنها تأهل نفسها لزمن قادم كي تكون هي مصدر التجريم والثواب والعقاب بعيدا عن النظم والقانون وكأن هذا النهج هو الديك الذي يبيض بيضة من ذهب للشيوخ والقساوسة كما القرون الوسطي لذلك نحن بصدد ظاهرة تهدد الاندماج الاجتماعي وتكاد تمس الاندماج الوطني. وفي هذا الصدد يقول المؤرخ الالماني.. هانس اولريخ يلهر البالغ من العمر (97 سنة) في مواجهة التطرف الذي يهدد الاندماج في العالم ان الحل يخلص في ثورة اجتماعية تعليمية تعيد الناس الي الاندماج الاجتماعي يبدأ تطبيقا مع بداية التعليم في مرحلة ماقبل سن الرابعة وزيادة إنفاق الدولة في هذا الاتجاه لتفعيله جيدا في القطاع التعليمي واعادة بحث المنظومة المعلوماتية والثقافية والقانونية التي تساعد علي خلق مناخ اكثر التزاما بالمعرفة والعلم والتكنولوجيا وخلق مجتمع متعددة التقافات قادرة علي الاندماج والعيش في امان اجتماعي للفرد والاسرة ويخلص الشباب من كثير من العيوب الاجتماعية الناشئة عن ارهاصات الخوف من الجهل ومن عدم تكافؤ الفرص التي تدفع البعض منهم الي رومانسية دينية او يسارية عنيفة تبني علي ايدلوجيات عقائدية في شكل متطرف. لذلك نسأل السلطة الشريعية القادمة والحكومة القادمة ولم يعد لديهما زمن يمتطيانه الي زمن آخر في احداث التغيير المرجو والتصدي وبعد ان ألقت الاحداث بنفسها علي ابوابها. متي يعاد صياغة قانون جديد لتنظيم ممارسة العقائد والشعائر وطرق نشرها ووسائل التعبير الفردي والجماعي عنها بما يضمن حماية وتأكيد الاندماج والتسامح الاجتماعي ووقف الدعوة الي التطرف المرئي والمعلن والمباحة حاليا تحت اسم روح القانون وحرية العقيدة وتحت اسم مقتضيات دوافع الاستثمار الخليجي والغربي وحسن الجوار والعلاقة بهما حتي تعود الناس في مصر الي التعبير عن عقائدهم بالامانة والصدق دون ضجيج ودون افتعال المواقف ودون بيئة متشنجة من التمترس الطائفي الزائد لاجيال قادمة لاتعلم بعدها معني وطعم وحقيقة السلام والامن الاجتماعي. كاتب المقال : القاضي بمحكمة استئناف القاهرة